١ ـ المقام الأول : وفيه يقرّب تخريج عملية الإفتاء في موارد الوظائف الظّاهرية على القاعدة حتّى لو فرض اختصاصها بالمجتهد ، فيقال : بأنّه بناء على اختصاص الأحكام الظّاهرية بالمجتهد لتحقّق موضوعه فيه دون المقلّد ، وهو بذلك يصبح عالما بالحكم الواقعي المشترك بين المجتهد والمقلّد تعبّدا ، فيكون حاكما على دليل الإفتاء بالعلم والخبرة بمقتضى دليل التعبّديّة ، فيفتي المجتهد مقلّديه بالحكم الواقعي المعلوم لديه بهذا العلم ، وهذا أمر على القاعدة لا يحتاج فيه إلى عناية زائدة بعد فرض دلالة دليل الحجيّة على الحجيّة والعلمية التعبّديّة ، وذلك كما لو ورد خبر واحد يدلّ على وجوب السورة ، فيكون لدى المجتهد حكمان :
أحدهما : وجوب السورة ، وهو حكم واقعي مشترك بين المجتهد وسائر المكلّفين.
وثانيهما : دليل حجيّة خبر الواحد ، وهو حكم ظاهري مختصّ بالمجتهد ، ومعنى جعل الحجيّة هو جعل الطريقيّة ، بمعنى اعتبار المجتهد عالما بالتعبّد بتمام مدلول الخبر ، وقد فرضنا أنّ مدلول الخبر هو حكم واقعي مشترك بين المجتهد والعامي ، وحينئذ ، فيفتي المجتهد العامي بهذا الحكم الواقعي ، ويكون إفتاؤه حينئذ عن علم وهذا أمر على القاعدة لا يحتاج فيه إلى عناية زائدة ، غايته انّه علم تعبّدي حصل له بواسطة دليل حجيّة الخبر ، وبهذا ينحلّ الإشكال.
إلّا انّ هذا الجواب غير تام ، ويردّ عليه أولا : إنّ هذا الجواب لو سلّم ، فهو لا يتم بالنسبة للأصول غير التنزيليّة ، لأنّ مؤدّاها حكما ظاهريا ، والحكم الظّاهري مختصّ بالمجتهد حسب الفرض ، وحينئذ ، ففي مورد هذه الأصول ، إن أفتى بالحكم الواقعي ، فيكون ذلك إفتاء بغير علم ، وإن أفتى بالحكم الظّاهري ، فالمفروض أنّه مختصّ بالمجتهد.