الثاني : أنه نفى عنهم الأنوثة ، فتعينت الذكورة لهم ، إذ لا واسطة بين القسمين في جنس الحي.
الثالث : (ستكتب شهادتهم) فسر الجعل بالشهادة ، كأنه قال : وشهدوا أن الملائكة إناث ، ثم قوله (ستكتب) تقتضي أنها لم تكتب بعد. وإنما ستكتب في المستقبل ، وقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨) [ق : ١٨] ، (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٢١) [يونس : ٢١] يقتضي أنها كتبت حين الشهادة ، والإجماع على ذلك أن الحفظة يكتبون ما يصور عن الإنسان شيئا فشيئا ، وإن أخر كاتب الشمال شيئا فلحظة أو ساعة رجاء التدارك بالتوبة ، وحينئذ يلزم أن هذه الشهادة كتبت حين وقوعها ، ولم تكتب معا ، وإنه محال.
والجواب : أن (ستكتب) مجاز عن أنهم سيجزون بها ويعاقبون عليها ، لكن لما كان حفظ العمل بالكتابة سببا للجزاء عليه عبر عن المسبب بالسبب.
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٢٠) [الزخرف : ٢٠] يحتج بها المعتزلة بأنهم لما أضافوا عبادتهم للأوثان إلى مشيئة الله عزوجل جهلهم وكذبهم ، ولو كانت عبادتهم لها مشيئة لما كانت كذلك ، ويجاب عنه بنحو ما سبق في نظيره في آخر الأنعام ، وهو أنه لم يكذبهم في إضافة ذلك إلى مشيئته ، كيف وإنه يقول : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١٣٧) [الأنعام : ١٣٧] وإنما أراد أن ما قالوه من إضافة عبادة الأصنام إلى مشيئته ، وإن كان حقا في نفس الأمر ، لكنهم لم يبلغوا من معرفة الله عزوجل إلى حيث يعلمون دوران الأشياء مع مشيئته وجودا وعدما ، وإنما يقولون خرصا أو تخمينا أو مناقضة للرسول وجدلا ؛ فهم وإن أصابوا بغير علم خطأ ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ» (١) وقال / [١٨٣ أ / م] الفقهاء : من اشتبهت عليه القبلة فصلى بغير اجتهاد فيها لزمته الإعادة وإن أصاب ؛ لتركه فرض الاجتهاد ، على خلاف فيه.
__________________
(١) رواه أبو داود في العلم [٣٦٥٢] والترمذي في التفسير [٢٩٥٣] والنسائي في الكبرى [٨٠٨٦].