القول في سورة براءة
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (٦) [التوبة : ٦] يحتج به الصوفية ، وقد سبق القول فيه.
(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١١) [التوبة : ١١] يحتج به من رأى تكفير تارك الصلاة تكاسلا ، وهو مذهب أحمد ، وتقريره أنه علق كونهم إخواننا في الدين على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بحرف إن ، والمعلق بها عدم عند عدم ما علق عليه عملا بموجب مفهوم الشرط ، فكونهم إخواننا في الدين منتف عند انتفاء إقامتهم الصلاة ، وذلك يقتضي كفرهم ؛ لأن المؤمنين إخواننا وهؤلاء ليسوا إخواننا ، فهؤلاء ليسوا مؤمنين ، وأكد ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «بين العبد والكفر ترك الصلاة ، فمن تركها فقد كفر» (١) حديث صحيح ؛ ولأنه ركن يدخل في الإسلام بفعله فخرج منه بتركه كالشهادتين.
واعترض عليه بأن الآية في الكفار الأصليين ونحوهم بعلة الكفر ، وترك الصلاة وغيرها من أعمال الكفار ، فلا يلزم مثله في غيرهم.
وعن الحديث بحمله على التغليظ أو كفر النعمة ، بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة» (٢) ونحوه من العمومات المانعة من تكفير تارك الصلاة.
وعن القياس : بأنا لا نسلم دخوله في الإسلام بفعل الصلاة ، سلمناه لكن لا نسلم أن كفره بترك الشهادتين معلل بأنه يدخل في الإسلام بهما ، بل لأن امتناعه منهما دل على كفر باطن ؛ فحكم بكفره لذلك.
وقد نقل عن أحمد أنه رجع عن هذا القول إلى موافقة باقي الأئمة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ
__________________
(١) صحيح مسلم كتاب الإيمان [١٣٤] [٨٢] وأخرجه أحمد [٣ / ٣٨٩] وأبو داود [٤٦٧٨] والترمذي [٢٦٢٠] والنسائي [١ / ٢٣٢] وابن ماجة [١٠٧٨].
(٢) رواه الترمذي في الإيمان ح [٢٦٣٨] وابن حبان [١ / ٣٦٤] وهو في الموارد [١ / ٣١] والطيالسي [٦٠] [٤٤٤] ورواه الحاكم [٤ / ٢٧٩] ورواه الطبراني [٧ / ٤٨] [٦٣٤٨] ورواه أبو يعلى [٧ / ٩] [٣٨٩٩] والطبراني [٢٠ / ٤٩] [٨٢].