القول في سورة الذاريات
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١) [الذاريات : ٢٠ ـ ٢١] إشارة إلى النظر والاستدلال في آيات الله ـ عزوجل ـ وقد سبق أنه واجب ، وهو يفيد العلم أو الظن بحسب مواده ، إذا استكمل الشرائط.
(فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٦) [الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦] / [١٩٢ أ / م] يحتج به على أن الإيمان والإسلام واحد ؛ لأن المشار إليه بالمسلمين والمؤمنين واحد وهم آل لوط.
وأجيب بأن الإيمان أخص من الإسلام لغة ؛ إذ كل مصدق منقاد وليس كل منقاد مصدقا ، وبينهما عموم وخصوص شرعا ، وبعض الفاعل للأعمال الظاهرة مصدق بالأركان الخمسة ؛ ولما كان الأمر كذلك كان بين الإيمان والإسلام ارتباط ، وكانا مجتمعين في أهل هذا البيت المذكور ، فذكروا في كل واحد من الآيتين بأحد الوصفين نفيا للتكرار عن الفاصلتين ، وتنبيها على اجتماع الوصفين فيهم [لا] لأنهما شيء واحد.
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) (٤٠) [الذاريات : ٤٠] يرد على من زعم أن فرعون مات مسلما ، وإلا لما وصف في هذه الحالة بأنه مليم أي : آت بما يلام عليه ، ولم تجر عادة الله ـ عزوجل ـ أن يذم عاصيا بعد توبته ، ولا كافرا بعد إسلامه.
(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٤٢) [الذاريات : ٤٢] هذا مخصص لقوله ـ عزوجل ـ : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥) [الأحقاف : ٢٥] أي كل شيء أتت عليه ، وهي لم تأت على كل شيء على الإطلاق بل على ما كان لعاد كما سبق في «الأحقاف».
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) (٥٤) [الذاريات : ٥٤] وعيدي محكم أو منسوخ بآية السيف.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) [الذاريات : ٥٦] يحتمل وجهين :
أحدهما : أن هذه لام التكليف والتوظيف ، أي : ما خلقهم إلا مكلفين موظفا عليهم العبادة : ولا يلزم ذلك القيام بالوظيفة ، كما يقال : ما اشتريت هذا العبد إلا ليخدمني ، أي :
وظيفته ذلك ، وقد يعصي أو يأبق فلا يخدم.