القول في سورة سبحان
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) [الإسراء : ١] فيه إثبات الإسراء ويتبعه المعراج ، لاتصاله به ، وقد أنكره بعض الفلاسفة والمعتزلة ، بناء على أن الجسم الثقيل الكثيف الهابط لا يرتقي إلى العالم اللطيف ، وإنما كان مناما بدليل قوله : «فاستيقظت فإذا أنا [نائم] في بيت أم هانئ» (١) ونحوه مما يدل على أنه كان مناما.
واعلم أن هذا مثل فلسفة إبليس في قوله : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢) [الأعراف : ١٢] فإن صعود الجسماني الأرضي إلى العالم الروحاني السماوي ممكن لذاته ، وكل مقدور ، والفاعل عندنا مختار يفعل ما يشاء ويختار ، فلا يبقى لامتناع ذلك وجه.
وتوجيهه على رأي المتكلمين بأن يخلق الله ـ عزوجل ـ في الجسم الكثيف قوة جاذبة له إلى فوق أو خفة بحيث يحمله اللطيف ، أو يخلق في القضاء اللطيف كثافة بحيث يحمل الكثيف ، وهذا الغمام والمطر والبرد والصواعق وسائر الآثار العلوية كثيفة أو كثير منها ، ويحملها الفضاء اللطيف ، وأما المنام فقد لعمري كان مناما مرة توطئة لليقظة ، ثم كان يقظة ، والأحاديث الصحيحة دلت عليهما جميعا ، ولو لم يكن إلا مناما لما أنكرته قريش ، وبالإجماع أنهم أنكروه.
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١٣) [الإسراء : ١٣] قيل : هي صحيفة عمله تعلق في عنقه في قبره حتى يبعث بها ، فيحاسب عليها وهي الكتاب الذي يخرج له يوم القيامة ، فيلقاه منشورا.
(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) [الإسراء : ١٥] يحتج بها المعتزلة لإسناد الهدى والضلال إلى المكلف لا إلى الرب ـ عزوجل.
__________________
(١) أخرج نحوه ابن هشام في سيرته [٢ / ٤٢٧] وابن جرير في تفسيره [١٥ / ٢] انظر تفسير ابن كثير [٨ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩]