القول في سورة المرسلات
(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (٨) [المرسلات : ٨] أي : ذهب نورها ، (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) (٩) [المرسلات : ٩] أي : انشقت ، وفيه دليل / [٤٤٠ / ل] على قبولها للخرق والالتئام ، كما مر ، وأن الأجرام السماوية تقبل التغير والاستحالة عن صفاتها الآن ، خلافا للفلاسفة ، وأصل الخلاف القول في قدم العالم ، وقد سبق.
(وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) (١٠) [المرسلات : ١٠] إما بتسليط الريح عليها فتنسفها ، أو بتسليط المطر العظيم ثم الشمس العظيمة عليها فتحلها ، كما يشاهد في الجبال الآن ، أو أنه ـ عزوجل ـ إذا قبض الأرض والسماوات في قبضة قدرته ضرب بالجبال فانحلت أجزاؤها ، بدليل : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (١٤) [الحاقة : ١٤] أو بغير ذلك من تصرفات القدرة الأزلية التي لا نهاية لمقدورها.
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٢٠) [المرسلات : ٢٠] الآيات ، احتجاج على البعث الذي دل عليه قوله ـ عزوجل ـ قبل (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) (١٣) [المرسلات : ١٣] (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (٢٣) [المرسلات : ٢٣] إن ثبت للإنسان قدرة يستقل بها ، وإلا فهذا على نحو : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) [المؤمنون : ١٤] أي على زعم من اعتقد أن ثم قادرا وخالقا غيره ، واعلم أنه لا خلاف أن للإنسان قدرة خلقها الله ـ عزوجل ـ كما خلق ذاته ، لكن الخلاف في أنه هل مستقل بقدرته مفوض إليه أعمال لا مجبر ولا معاوق ، أم لا ، أثبت ذلك القدرية ونفاه الجمهور ، وهو أصل الخلاف ومنشأ الاختلاف.
(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣٦) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦] هذا بعد أن يسألوا ويحاسبوا ، فمن اعترف منهم بما قرر عليه ثبت عليه ما اعترف به ولزمته الحجة ، ومن أنكر ختم على فيه واستشهدت عليه أعضاؤه كما سبق في يس وغيرها ، وإليه الإشارة بقوله ـ عزوجل ـ : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) [القيامة : ١٤ ، ١٥] ولو كان عدم الإذن لهم في الاعتذار مطلق