القول في سورة الملك
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (٢) [الملك : ٢] فيه تعليل الأفعال.
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٣) [الملك : ٣] أي : خلل واضطراب وخروج عن وجه الحكمة.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) (٥) [الملك : ٥] هاتان حكمتان لخلق النجوم : زينة وحراسة.
والثالثة : الهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، كما قال الشاعر :
فيها معالم للهدى ومصابح |
|
تجلو الدجى والأخريات رجوم |
ولعل الإشارة بكونها مصابيح إلى اهتداء الخلق بها كما يهتدى بالمصباح ، فتكون الآية قد جمعت فوائد النجوم الثلاث.
(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) (٨) [الملك : ٨] ، احتج به المرجئة على أنه لا يدخل النار إلا كافر ، وأنه لا عذاب على أهل الإيمان طائع ولا عاص ، بناء على أن الإيمان حسنة لا تضر معها سيئة ، وعكسه ؛ لأنّ الله ـ عزوجل ـ أخبر أن كل فوج يلقى فيها يعترف بالكفر.
والجواب : أن المعنى : كلما ألقي فيها فوج من الكفار سئلوا فاعترفوا بالكفر بدليل ما قبله.
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٦) [الملك : ٦] ثم استطرد ذلك في وصف حال الكفار.
(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١٠) [الملك : ١٠] الآيتين ، احتج به الفريقان ، أما الجمهور فلنفيهم عن أنفسهم السمع والعقل ، ما ذاك إلا لما خلق في قلوبهم من دواعي الكفر / [٤٢٦ / ل] والصوارف عن الإيمان ، فصاروا مجبورين جبرا عقليا.
وأما المعتزلة فلقوله ـ عزوجل ـ : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١١)