(بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (٢٢) [الزخرف : ٢٢] الآيات دلت على ذم التقليد ، والمشهور المطابق لهذه الآية أنه متابعة الغير في قول أو فعل من غير دليل ، بل لحسن ظن به ، أو غلبة عادة وإلف.
وقيل : هو قبول قول القائل ، وأنت لا تعلم مأخذه ومستنده ، فعلى الأول لا يسمى قبول قول النبي صلىاللهعليهوسلم / [٣٧٩ ل] تقليدا ؛ لأن قوله عين الدليل والحجة ، فلا يصح أن يقال :
تابعناه وقبلنا قوله بغير حجة أو دليل.
وعلى الثاني في تسمية قبول قوله تقليدا وجهان :
أحدهما : يسمى تقليدا ؛ لأنا لا نحيط بعلمه ومأخذه ومستنده الوحي ، بدليل : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٤) [النجم : ٤].
وأصل الوجهين أنه صلىاللهعليهوسلم هل كان يجتهد في الأحكام بالنظر ونحوه ، فيسمى قبول قوله تقليدا لخفاء مأخذه أم لا ، بل يقتصر على الوحي فلا يسمى تقليدا لعلمنا بمغزاه ومأخذه.
ذكر هذه النبذة الشيخ أبو محمد الجويني في أول كتابه المسمى ب «المسلسل» في الفقه. وقد اختصرناه.
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) (٣٣) [الزخرف : ٣٣] ، فيه تعليل أفعاله عزوجل بالمصالح وامتناعها للمفاسد.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٣٦) [الزخرف : ٣٦] ، يحتج بها المعتزلة ؛ لأنه أضاف الإعراض عن الذكر إليهم ، وصدهم عن السبيل إلى الشياطين ، وجعل تقييض القرناء لهم عقوبة على إعراضهم.
وأجاب الجمهور بأن ذلك كله باعتبار الكسب ، وأما الخلق فلمن له الخلق والأمر ، وقد دلت النصوص والبراهين على ذلك.
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٣٩) [الزخرف : ٣٩] فيه أن معارضة الفاسد بالفاسد لا ينفع ؛ لأنهم لما سمعوا قوله عزوجل : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٣٣) [الصافات : ٣٣] تأسى البعض بالبعض ، فبين لهم فساد ذلك التأسي ، وأنه غير نافع ؛ إذ ألم الغير لا يخفف ألم النفس ، وهكذا فساد حجة أحد الخصمين لا يقتضي صحة حجة الآخر ، وإنما تنفع الحجة ويصح المعنى فيها [بصحتها] لا معنى في غيرها