القول في السورة السجدة
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) [السجدة : ٢] تضمنت أن الكتاب حق منزل ، ويحتج به على أنه غير مخلوق ، وفيه ما سبق مرارا.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣) [السجدة : ٣] سبق الكلام عليه في القصص.
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (١٠) [السجدة : ١٠] تضمنت حكاية إنكارهم للبعث ، وقد سبق غير مرة.
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١١) [السجدة : ١١] فيه إثبات المعاد إلى الله ـ عزوجل ـ بعد الموت ، خلافا للتناسخية القائلين بانتقال الأرواح في الأجسام جسما بعد جسم ، فما كمل منها لحق بعالمه العلوي ، وما لم يكمل بقي مترددا في الأجسام أبدا ، وهو رأي خيالي لا مستند له يعتمد.
ثم قد ذكر هنا : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١١) [السجدة : ١١] وفى الأنعام : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١) [الأنعام : ٦١] وفى موضع آخر : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٢) [الزمر : ٤٢] ووجه الجمع أنه ـ عزوجل ـ يتوفى الأنفس بقدرته بواسطة الملائكة وملك الموت بحق التقدم على ملائكة القبض والملائكة الأعوان بالمباشرة ، فيقال : إنهم يعالجون حتى تبلغ الفم فيقبضه ملك الموت بيده ، وهذا كما يقال : قتل السلطان فلانا ، ويكون ذلك بواسطة الوالي والنائب ، إمرة ثم بمباشرة الجند ، واختلف في البهائم ونحوها هل يقبضها ملك الموت أم لا؟ فقيل : لا ، لعدم السمع فيه ولخصوص يتوفاكم ، وقيل : بلى لعموم : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨) / [١٥٩ ب / م]) [الأنعام : ٣٨] ولأنها تحشر للقصاص / [٣٣٤ ل] بينها ؛ فكان القابض