بتوهم الكمال فيبقى في مقام الأنانية ويتفرعن وراء حجاب الأنانية كما قال اللعين : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١) (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٢) ، فيخلع عن عنقه ربقة الشريعة ويسير بسيرة الإباحة ويتجسر على المخالفات ويتزندق بارتكاب المعاصي وتركه الطاعات ، فيكون من شرار الناس الذين قال فيهم : «شرّ الناس من قامت القيامة عليه وهو حيّ» ، فهو في عدم التمييز والرجوع إلى التفصيل والانهماك في الدواعي الطبيعية والتعمّق في الجاهلية كالسكران غلب الهوى على عقله وأحاط به الحجاب من جميع جهاته وظهر أثر الغيّ من مشاعره ، هذا عذاب أليم لكنه لا يشعر به لشدّة انهماكه في تفرعنه وقوة شكيمته في تشيطنه ، كلما دعاه الموحد القائم بالحق المهدي إلى نور الذات بالفناء المطلق المنصور من عند الله بالوجود الموهوب المتحقق ونبهه على ما به من الاحتجاب أبى واستكبر وطغى وتجبّر لاستغنائه بنفسه وثباته في غيّه حتى إذا وقع في الارتياب وتفطّن بالحجاب عند ارتتاج الباب بتعين المآب وتيقن العقاب قال : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)) (٣) كما قال فرعون حين أدركه الغرق : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) (٤) ، (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) أي : الاتعاظ والإيمان الحقيقي وقد عاندوا الحق وأعرضوا عن القائم بالحق ، فلعنوا وطردوا. (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) ريثما تحققوا ما هم فيه من الوقوف مع النفس وتبينوا التفريط في جنب الحق (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) لفرط تمكين الهوى من أنفسكم وتشرّب قلوبكم بمحبة نفوسكم واستيلاء صفاتها عليكم وقوّة الشيطنة فيكم. (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) بالقهر الحقيقي والإذلالالكلي والطرد والإبعاد ننتقم منهم لمكان شركهم وعبادتهم لأنفسهم ومبارزتهم علينا بالظهور في مقابلتنا ومنازعتهم رداء الكبرياء منّا ، كما قلنا : «العظمة إزاري والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار» ، وأما حكاية قوم فرعون فاشتهيت تطبيقها على حالك فافهم منها.
[١٧ ـ ١٨] (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨))
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) النفس الأمارة من قبط القوى الحيوانية (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) هو موسى القلب الشريف المجرّد (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) المخصوصين به من القوى الروحانية المأسورين في قيود طاعتكم ، المستضعفين باستيلائكم ، المستبعدين لقضاء حوائجكم
__________________
(١) سورة النازعات ، الآية : ٢٤.
(٢) سورة القصص ، الآية : ٣٨.
(٣) سورة الدخان ، الآية : ١٢.
(٤) سورة يونس ، الآية : ٩٠.