سورة الزمر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢))
هذا (تَنْزِيلُ) كتاب العقل الفرقانيّ بظهوره عليك من غيب الغيوب (مِنَ اللهِ) وحضرته الواحدية (الْعَزِيزِ) المحتجب بسترات الجلال في غيب غيبه (الْحَكِيمِ) ذي الحكمة الكامنة هناك ، البارزة في مراتب التنزيلات (بِالْحَقِ) أي : أنزلناه بظهور الحق فيك بعد كمونه (فَاعْبُدِ اللهَ) فخصّصه بالعبادة الذاتية حين تجلى لك بذاته ولم يبق أحدا من خلقه (مُخْلِصاً) ممحضا (لَهُ الدِّينَ) عن شوب الغيرية والاثنينية ، أي : أعبده بشهوده لذاته ومطالعة تجليات صفاته بعينه وتلاوة كلامه به ، فيكون سيرك سير الله ودينك دين الله وفطرتك ذات الله.
[٣ ـ ٤] (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤))
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) عن شوب الغيرية والأنانية لا لك لفنائك فيه بالكلية ، فلا ذات لك ، ولا صفة ، ولا فعل ، ولا دين ، وإلا لما خلص الدين بالحقيقة فلا يكون لله (وَالَّذِينَ) احتجبوا بالكثرة عن الوحدة واتخذوا الغير وليّا بالمحبة للتقرّب والتوسل به إلى الله (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) عند حشر معبوداتهم معهم فيما اختلفوا فيه من صفاتهم وأقوالهم وأفعالهم فيقرن كلّا منهم مع من يتولّاه من عابد ومعبود ، ويدخل المبطل النار مع المبطلين كما يدخل المحق الجنة مع المحقين ، ويجزى كلّا بوصفه الغالب عليه وما وقف معه واحتجب به مع اختلافهم في الأوصاف وما وقفوا معه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) إلى النجاة وعالم النور وتجليات الصفات والذوات (مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) لبعده عنه واحتجابه بظلمة الرذائل وصفات النفس عن النور وامتناعه عن قبوله (سُبْحانَهُ) أي : نزّهه عن المماثلة والمجانسة واصطفاء الولد لكون الوحدة لازمة لذاته وقهره بوحدانيته لغيره ، فلا تماثل في الوجود ، فكيف في الوجوب؟.