قال : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)) (١) ننتقم منهم بالحقيقة بالحرمان الكلي والحجاب الأبدي والعذاب السرمدي. وإن فسرنا القيامة الكبرى : فالدخان هو حجاب الإنية الذي يغشى الناس عند ظهور نور الوحدة بطغيان النفس لانتحال صفات الربوبية وغلبة سكرة يوم الجمع المورثة للإباحة إذ هو من بقية النفس الأرضية اللطيفة بنور الوحدة المرتقبة إلى محل الشهود التي تأتي بها سماء الروح لتأثيره فيها بالتنوير إذ لم تحترق بالكلية بنار العشق بل صفت وتلطفت وتصعدت. فأما المؤمن بالإيمان الحقيقي الموحد التام الاستعداد ، المحب الغالب المحبة ، فيصيبه كهيئة الزكمة ، أي : السكرة التي قال فيها أبو زيد قدّس الله روحه : سبحاني ما أعظم شأني. والحسين بن منصور رحمهالله : أنا الحق. ثم يرتفع عنه سريعا لمزيد العناية الإلهية وقوة الاستعداد الفطرية وشدة المحبة الحقيقية ، فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ويشتاق إلى الانطماس في عين الجمع غاية الشوق ، فيقول : هذا عذاب أليم ، ويطلب الفناء الصرف ، كما قال الحلاج قدّس الله روحه :
بيني وبينك أني ينازعني |
|
فارفع بفضلك أني من البين |
ويدعو بلسان التضرع والافتقار : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)) (٢) بالإيمان العيني عند كشف الحجاب الآني ، (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) من أين لهم ذكر الذات والإيمان العيني في مقام حجاب الأنانية ، (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) أي : رسول العقل المبين لوجوداتهم وصفاتهم ، أي : إنما احتجبوا بحجاب الإنية لظهور العقل وإثباته لوجوداتهم ، فكيف ذكرهم للذات تعجب من تذكرهم مع كونهم عقلاء ثم بيّن كونهم عشاقا مشتاقين بقوله : (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) لقوة المحبة وفرط العشق وقالوا : (مُعَلَّمٌ) أي : من عند الله بإفاضة العلم عليه (مَجْنُونٌ) مستور الإدراك ، محجوب عن نور الذات ، كماقال جبريل عليهالسلام : «لو دنوت أنملة لاحترقت». (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) أي : عذاب الحجاب والحرمان لإعراضهم بقوة العشق عن الرسول قليلا بطلوع نور الوجه الباقي وإشراق سبحاته وإحراقها ما انتهى إليه بصره من خلقه (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) بالتلوين إلى الحجاب بعد تجلي نور الذات لبقية الآثار إلى وقت التمكين (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) أي : وقت الفناء الكلي والانطماس الحقيقي بحيث لا عين ولا أثر (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) أي : ننتقم بالقهر الأحدي والإفناء الكلي من وجوداتهم وبقاياهم فيطهرون عن الشرك الخفي بالوجود الأحدي. وأما الكافر ، أي : المحجوب عن نور الذات ، الممنوّ بحجب الصفات ، المحروم عن الطمس عن عين الجمع
__________________
(١) سورة المطففين ، الآيات : ١٤ ـ ١٥.
(٢) سورة الدخان ، الآية : ١٢.