سورة العنكبوت
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢))
(الم) أي : الذات الإلهية والصفات الحقيقية التي أصلها وأوّلها باعتبار النسبة إلى الغير العلم والإضافية التي أوّلها ومنشؤها المبدئية اقتضت أن لا يترك الناس على نقصانهم وغفلتهم واحتجابهم بمجرّد أقوالهم المطابقة للحق وظواهر أعمالهم ، بل يفتنوا بأنواع البليّات ويمتحنوا بالشدائد والرياضات حتى يظهر ما كمن في استعدادتهم وأودع في غرائزهم. فإنّ الذات الإلهية أحبّت أن تظهر كمالاتها المخزونة في عين الجمع فأودعها معادن أعيان الناس ، وأوجدها في عالم الشهادة ، كماقال تعالى : كنت كنزا مخفيّاالحديث. فتحبّب إليهم بالابتلاء بالنعم والنقم ليعرفوه عند ظهور صفاته عليهم فيصيروا مظاهر له في الانتهاء إليه ، كما كانوا معادن وخزائن عند الابتداء منه ، فإنّ كونه منتهى من لوازم كونه مبتدأ.
[٣ ـ ٤] (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤))
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من أهل الاستبصار والاستعداد بأنواع المصائب والمحن والرياضات والفتن ، حتى يتميز الصادق في الطلب ، القابل للكمال بظهور كماله من الكاذب المهوّس الضعيف الاستعداد.
[٥] (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥))
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) في أحد المواطن سواء كان موطن الثواب والآثار أو موطن الأفعال أو موطن الأخلاق أو موطن الصفات أو موطن الذات (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) في إحدى المقامات الثلاث (لَآتٍ) أي : فليتيقن وقوع اللقاء بحسب حاله ورجاءه عند الأجل المعلوم ، وليعمل الحسنات ليجد الكرامة في جنة النفس من باب الآثار والأفعال عند الموت الطبيعي ، أو ليجتهد في المحو بالرياضات والمراقبات ليشاهد في جنة القلب من تجليات الصفات ومقامات الأخلاق ما يشتهيه ويدّعيه عند الموت الإرادي ، أو ليجاهد في الله حقّ جهاده بالفناء فيه ليجد روح الشهود وذوق الجمال في جنة الروح عند الموت الأكبر والطامّة الكبرى.