سورة الفتح
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) فتوح رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة : أوّلها : الفتح القريب المشار إليه بقوله : (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (١) وهو فتح باب القلب بالترقي عن مقام النفس وذلك بالمكاشفات الغيبية والأنوار اليقينية ، وقد شاركه في ذلك أكثر المؤمنين كما أشار إليه بقوله : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) (٢) ، وقوله : (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٣) ويلزمه البشارة بالأنوار الملكوتية والتجليات الصفاتية كما قال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٤). وحصول المعارف اليقينية وكشوف الحقائق القدسية المشار إليها بقوله : (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) (٥). وثانيها : الفتح المبين بظهور أنوار الروح وترقي القلب إلى مقامه وحينئذ تترقى النفس إلى مقام القلب فتستتر صفاتها اللازمة إياها السابقة على فتح القلب من الهيئات المظلمة بالأنوار القلبية وتنتفي بالكلية ، وذلك معنى قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) وكذا الحادثة المتأخرة عنه من الهيئات النورانية المكتسبة بالتنوّر بالأنوار القلبية التي تظهر بها في التلوينات وتخفي حالها وهي الذنوب المشار إليها بقوله : (وَما تَأَخَّرَ) ولا تنتفي هذه بالفتح القريب وإن انتفت الأولى به لأن مقام القلب لا يتم ولا يكمل إلا بعد الترقي إلى مقام الروح واستيلاء أنواره على القلب فيظهر تلوين القلب حينئذ وينتفي تلوين النفس الذي كان في مقام القلب بالكلية وتنقطع مادته ويحصل في هذا الفتح مغانم المشاهدات الروحية والمسامرات السرية. وثالثها : الفتح المطلق المشار إليه بقوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١)) (٦) وهو فتح باب الوحدة بالفناء المطلق والاستغراق في عين الجمع بالشهود الذاتي وظهور النور
__________________
(١) سورة الفتح ، الآية : ٢٧.
(٢) سورة الصف ، الآية : ١٣.
(٣) سورة الفتح ، الآية : ١٨.
(٤) سورة الأحزاب ، الآية : ٤٧.
(٥) سورة الفتح ، الآية : ١٩.
(٦) سورة النصر ، الآية : ١.