(فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي : لا تلتفت إلى وجود الغير بظهور النفس ولا تحتجب في الدعوة بالكثرة عن الوحدة (فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) بإلقاء الشياطين وإن امتنع تنزّلهم بالموافقة والمراقبة كقوله : (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (١) ، فإنه لا يأمن في الإنذار والنزول إلى مبالغ عقول المنذرين ونفوسهم إلقاءهم وإن أمن تنزّلهم ومصاحبتهم وإغواءهم عند التلقي.
[٢١٤] (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤))
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) من الذين يقارب استعدادهم استعدادك ويناسب حالهم بحسب الفطرة حالك ، إذ القبول لا يكون إلا بجنسية ما في النفس وقرب في الروح.
[٢١٥ ـ ٢١٧] (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧))
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ) بالنزول إلى مرتبة من (اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لتخاطبه بلسانه ليفهم ، وترقيه عن مقامه فيصعد ، وإلا لم يمكنهم متابعتك (فَإِنْ عَصَوْكَ) لاستحكام الرين وتكاثف الحجاب فتبرأ عن حولهم وقوّتهم وحولك وقوّتك بالتوكل والفناء في أفعاله تعالى فإنهم وإياك لا يقتدرون على ما لم يشأ الله ولا يكون إلا ما يريد وشاهد في توكلك وفنائك عن أفعالك مصادر أفعاله من العزّة التي يقهر بها من يشاء من العصاة فيحجبهم ويمنعهم من الإيمان والرحمة التي يرحم بها ويفيض النور على من يشاء من أهل الهداية فإنه يحجب المحجوبين بقهره وجلاله ويهدي المهتدين بلطفه وجماله ، وليس لك من الأمر شيء (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢).
[٢١٨ ـ ٢٢٠] (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠))
(الَّذِي يَراكَ) ويحضرك ويحفظك (حِينَ تَقُومُ) في النشأة في القيامة الصغرى والفطرة في الوسطى بالوحدة حين الاستقامة في الكبرى (وَتَقَلُّبَكَ) انقلابك وانتقالك في أطوار الفانين في أفعاله تعالى وصفاته وذاته بالنفس والقلب والروح في زمرتهم وقبل النشأة الأولى في أصلاب آبائك الأنبياء الفانين في الله عنها. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما تقوله (الْعَلِيمُ) لما تعلمه فيعلم أنه ليس من كلام الشياطين وإلقائهم.
[٢٢١ ـ ٢٢٧] (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧))
__________________
(١) سورة الحج ، الآية : ٥٢.
(٢) سورة القصص ، الآية : ٥٦.