ظهور الهيئة هو التأسيس ، لأنّ الظاهر من الهيئة هو البعث والتحريك ، وهو يتمّ في الأمر الثاني لو كان متعلّقا بفرد آخر وإيجاد الطبيعة ثانيا ، وإلّا فالبعث إلى الفرد الأوّل بالأمر الأوّل قد حصل ، ولا معنى للبعث ثانيا بالنسبة إلى فعل واحد ، لأنّه كتعلّق الوجوبين بشيء واحد ، وهو غير معقول ، فمقتضى ظهورها في البعث وجوبها ثانيا ، وهذا معنى التأسيس.
فالحاصل : أنّ ظهور الهيئة والمادّة متنافيان متدافعان ، ولا يبعد رفع اليد عن ظهور الهيئة والتمسّك بإطلاق المادّة والالتزام بالتأكيد وعدم وجوب الطبيعة إلّا مرّة واحدة ، إذ الهيئة ظاهرة في المعنى المذكور لو لم تكن أفراد أخر منها تالية ، وإلّا فهي من قبيل الكلام المحفوف بما يصلح للقرينيّة ، فمن جهة الهيئة يكون الأمر الثاني مجملا ، وإطلاق المادّتين يكون مقتضيا لما كان مقتضيا من غير معارض ، بل الظاهر عند العرف كون الأمر الثاني تأكيدا لا تأسيسا.
ولعلّ السرّ في ذلك ما ذكرنا في محلّه من أنّ الوجوب عبارة عن الاعتبار النفسانيّ ، والإنشاء مظهر له ، ولا مانع من تعدّد المظهر مع اتّحاد المظهر بالفتح ، وإذ كان الظاهر التأكيد ، فلا تصل النوبة إلى الأصول ، ولو لم يترجّح كونه تأكيدا ، فلا أقلّ من التساوي ، وتكون البراءة جارية.
هذا تمام الكلام في المقصد الأوّل.
* * *