هذا تمام الكلام في تحقيق مقدّمات الترتّب ، واقتصرنا بالمقدّمات التي ذكرها شيخنا الأستاذ ، وبما لها ارتباط تامّ بالنتيجة.
ولنا طريق آخر إلى إثبات إمكان الترتّب غير متوقّف على المقدّمات المذكورة ، وهو : ما سلكناه في مقام الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ.
وحاصله : أنّ الحكم ـ سواء كان عبارة عن البعث والزجر أو اعتبار اللابدّيّة أو إلقاء المادّة إلى المكلّف أيّا ما كان ـ ليس بين الإنشاءين ولا بين الاعتبارين تضادّ أصلا ، بل التضادّ المعروف في الحكمين بل الأحكام بأسرها إمّا يكون في مبدأ الحكمين أو في منتهاهما.
ففي مثل اجتماع الأمر والنهي إنّما يكون التضادّ في المبدأ ، إذ الأمر إنّما ينشأ عن مصلحة ملزمة في المتعلّق ، والنهي ينشأ عن مفسدة ملزمة فيه أيضا ، ولا يمكن للمولى الجمع بينهما ، لأنّه لا يمكن أن يتّصف فعل واحد بالمصلحة الملزمة والمفسدة الملزمة في زمان واحد ، وفي مثل وجوب الإزالة والصلاة في زمان واحد يكون التضاد في المنتهى وفي مقام الامتثال ، وذلك لأنّ كلّا من الإزالة والصلاة يمكن أن يكون في حدّ نفسه له مصلحة ملزمة ، فلا تضادّ بين الوجوبين في المبدأ ومنشأ الحكمين ، وإنّما التضادّ يكون في المنتهى وفي مقام الامتثال ، فإنّ العبد لا يقدر على امتثال كلا الأمرين في زمان واحد ، فطلب الجمع بينهما والأمر بهما معا موجب لتحيّر العبد في مقام الامتثال ، فإنّ العبد ـ ولو كان في غاية الخضوع والخشوع وفي مقام الإطاعة والانقياد ـ لا يقدر على امتثال كلا الأمرين ، ويبقى متحيّرا ، فلا يمكن جعل مثل هذا الحكم الموجب للتحيّر.
وأمّا إذا جعل الحكم بنحو لا يكون تضادّ في المبدأ ولا في المنتهى