طهارة الخمر ويحتمل ان يكون هناك رواية أخرى دالّة على نجاسته أقوى منها سندا أو دلالة ، كما هو الواقع ، يجب عليه الفحص عنها ، ولا يجوز له التمسّك بما دلّ على طهارته ، وإلّا يؤتى به يوم القيامة فيقال : هلّا اجتنبت عن الخمر ، فيقول : أنا ما علمت بنجاسته ، فيقال له : هلّا تعلّمت.
والحاصل : أنّه على تقدير عدم وجود العلم الإجمالي بوجود المخصّصات فيما بأيدينا من الكتب أو انحلاله مع وجوده ، مع ذلك يجب الفحص ، ولا يجوز العمل بالعامّ أو المطلق قبل الفحص عن المخصّص والمقيّد والمعارض ، لمكان تلك الأدلّة التي يتمسّك بها على وجوب الفحص في الشبهات البدويّة ، فإنّها بعمومها يشمل المقام أيضا.
أمّا الجهة الثالثة : فلا ريب في الفرق بين الفحص في المقام وبينه في الأصول العمليّة العقليّة ، إذ الفحص في المقام عمّا يزاحم الحجّيّة وعن مطابقة مقام الثبوت للإثبات ـ وبعبارة أخرى : الفحص عن المانع مع وجود المقتضي ـ بخلاف الفحص في الشبهات البدويّة لجريان الأصول العمليّة العقليّة ، فإنّه لإحراز موضوع حكم العقل بالبراءة ، ضرورة أنّ العقل لا يحكم بقبح العقاب فيما إذا بيّن المولى وظيفة العبد ، وإنّما العبد قعد في بيته ولم يخرج إلى محلّ يسمع بيان المولى ، بل يحكم بقبح العقاب بلا بيان من طرف المولى بحيث لو تفحّص العبد لظفر به ، فموضوع حكم العقل بالبراءة من الأوّل مقيّد بالفحص وعدم الظفر ، فبدون الفحص لا مقتضي للبراءة ولا حجّة عليها.
وأمّا الأصول العملية الشرعيّة مثل : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (١)
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٧.