كان الجهل عن تقصير ، يسقط الأمر ، ولا تجب الإعادة ولا القضاء ، لكنّ المكلّف يكون مستحقّا للعقاب ، لمكان التقصير ، ولذا وقعوا في حيص بيص : أنّ الصلاة إن كانت صحيحة ، فما معنى لاستحقاق العقاب على إتيانها كذلك؟ وإن كانت فاسدة ، فلم لا تجب الإعادة ولا القضاء؟
ودفع هذا الإشكال الشيخ كاشف الغطاء (١) بتصحيحها بالترتّب ، وأنّ موضوع صلاة التمام أو الجهر موضع الإخفات وبالعكس عند الجهل بالحكم إذا كان عن تقصير هو العاصي لأمر الصلاة قصرا ، وهكذا بالقياس إلى الجهر والإخفات ، فلا إشكال في البين.
والشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه أجاب بأنّا لا نقول بالترتّب (٢).
وشيخنا الأستاذ تصدّى لإخراجهما عن مسألة الترتّب بوجوه ثلاثة (٣) :
الأوّل : أنّ الترتّب إنّما يجري في الواجبين اللذين لا يكون بينهما تزاحم بحسب الجعل الأوّليّ ، كما في الإزالة والصلاة ، فإنّ الإزالة إنّما تجب مع عدم وجوب الصلاة أو وجوبها ، وإمكان الجمع بينهما وكذلك الصلاة.
نعم قد يتزاحمان فيما إذا وجبت الصلاة والإزالة مع عدم إمكان الجمع بينهما ، فحينئذ نقول : إنّ كلتيهما واجبتان بنحو الترتّب ، وأمّا فيما كان بحسب أصل الجعل بينهما تزاحم ، فلا يمكن التصحيح بالترتّب ، والمقام من هذا القبيل ، فإنّ الجهر والإخفات والقصر والتمام لو جعلا في عرض واحد دائما يكونان متزاحمين ، ولا يمكن تصحيح الجعل فيهما بالترتّب.
وفيه : أنّه لم يدلّ دليل على اختصاص الترتّب بما لم يكن التزاحم إلّا
__________________
(١) كشف الغطاء : ٢٧.
(٢) فرائد الأصول : ٣٠٩.
(٣) أجود التقريرات ١ : ٣١٠.