وَالأَنْعَامِ مُختَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) (١).
أي كما خلقَ الله تعالى انواعَ الثمار وبألوانٍ متباينة ، وتتباينُ الوانُ الجبال فيما بينها ، فقد خلقَ ألواناً مختلفةً من الاحياء سواء الإنسان أم الدَّواب أم الأنعام ، بالرغم من أنَّ اغلب المفسرين اتّخذوا الألوان هنا بمعنى الألوان الظاهرية المختلفة (٢) ، ولكن يبدو أنّ التعبير المذكور ذو معنىً واسع ، ويُعتبرُ إشارة إلى تفاوت أنواع واصناف الناس والدَّوابِّ والأنعام ، الذي يعتبر من اهم عجائب وغرائب الخلق.
لا شك أننا نعلمُ أنَّ هنالك اليوم مئات الآلاف من أنواع الدَّواب والحيوانات في العالم ، بل يذكر بعض العلماء أنَّ أنواعها يبلغ مليوناً وخمسمائة الف نوع! ، وهذا التباين العجيب وبهذه المواصفات التي تتصف بها كلٌّ منها يعتبر آيةً عظيمةً من آيات الله ، وبراهين عل علمه وقدرته.
نعم ... فقد ابدعَ هذا الرسّام الماهر بقلم واحد ولون واحد في رسمِ انواعٍ لا تُحصى من الرسوم ونماذج ملَّونةٍ من الألواح كل منها آية في صنعِ الخلقِ.
غير أنّ المفكرين والعلماء هم الذين فتحوا بصائرهم لَيَروا روحَ العالم في هذه الميادين البديعة ، و «يَرَوْنَ مالا يُرى» ، لذلك يقول في ذيل الآية : (إِنَّمَا يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفُورٌ).
إنَّ ألوانها الظاهرية المختلفة تَشغُلُ أهلَ الظاهر ، وألوانها الباطنية وخلقها المتباين تشغل اهلَ الباطن والمعنى.
فالألوان الظاهرية للأزهار تجذب نحوها النحل ، كي يساعدها في التلقيح ، كما تتجاذب الإناث والذكور من الحيوانات فيما بينها «لا سيما في الطيور» ، إلّاأنّ ألوانها الباطنية وبناءها المتفاوت يدعو العلماء وأصحاب الفكر نحوه ، كي يُلقِّحَ فكرهُ من بذر التوحيد.
__________________
(١) «من الناس» خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ، والتقدير هو : «ما هو مختلفٌ الوانه» ، و «كذلك» أشار إلى الثمار المختلفة وألوان الجبال المتفاوتة التي وردت في الآية السالفة.
(٢) تفسير الميزان ، وتفسير روح الجنان ، وتفسير في ظلال القرآن ، وتفسير القرطبي وغيره.