٣ ـ الدافع الفطري
تمهيد :
عندما نتحدث عن الفطرة فالمقصود هو نفس تلك الاحساسات الداخلية والإدراكية التي لاتحتاج إلى أي استدلال عقلي.
عندما نشاهد منظراً طبيعياً جميلاً جدّاً أو زهرة ذات لون ورائحة طيبة نحسُّ بقوة جذب تدفعنا نحوها ، ويسمى هذا الاحساس بالميل نحو الجمال وحبه ولا نرى أي حاجة هنا للبرهنة على إثبات قولنا هذا.
أجل ، إنّ الميل للجمال يعد من الرغبات المتعالية للروح الإنسانية.
إنّ الاندفاع نحو الدين وخاصةً معرفة الله هو أيضاً من هذه الاحساسات الفطرية والداخلية ، بل هو من أقوى الدوافع في أعماق طبيعة وروح جميع البشر.
ولهذا السبب لا نشاهد قوماً أو أمة لا في الحاضر ولا في الماضي التاريخي لم تكن تمتلك نوعاً من العقائد الدينية تتحكم في فكرها وروحها ، وهذه علامة على أصالة هذا الاحساس العميق.
وانطلاقاً من أن التوحيد الفطري يُطرح في مجال براهين معرفة الله كبرهان مستقل مع كل آياته ، لا نرى داعياً للبحث المسهب حول هذا الموضوع ، فنكتفي بذكر نقطة واحدة ونؤجل المزيد من البحث حول هذا الموضوع في محلّه إن شاء الله.
عندما يذكر القرآن قصص نهضة الأنبياء العظام فانّه يؤكد في عدة مواضع على هذه النقطة وهي أنَّ الرسالة الأصلية للأنبياء تتمثل بازالة آثار الشرك والوثنية (وليس إثبات وجود الله ، لأنّ هذا الموضوع مخبَّأٌ في أعماق فطرة كل إنسان).