وهذا الكلامُ معروفٌ أيضاً عن بعض الفلاسفة اليونانيين ، حيث يقولون : «ليست العلومُ والمعارف إلّاالتذكير ، ولقد اودِعت جميعُ القواعد العلمية روح الإنسان دون استثناء ، وقد نَسِيَها الإنسانُ إلّاأنّها تعود إلى الذاكرة بمساعدة المعلمين».
يقول الفخر الرازي في تفسيره : «لو قال قائلٌ : هذا يقتضي وجودَ أمرٍ سابقٍ فنسيَ ، ونقول : ما في الفطرة من الانقياد للحقِّ هو كالمنسي فهل من مدَّكر يرجع إلى ما فُطِرَ عليه» (١).
على أيّةِ حالٍ ، فإنّ جميع هذه الآيات دليلٌ حيٌ على الهداية الإلهيّة الفطرية للإنسان.
* * *
توضيح
الهداية الفطرية والغريزية في العلم المعاصر :
مع تطور علم النفس ، وعلم التحليل النفسي ، وبحوث العلماء حول الحواس ذات الأسرار الغريبة للحيوانات ، اكتُشِفت الكثير من أسرار الهداية الفطرية والغريزية الغريبة والمدهشة في عالم الأحياء ، ونواجه ظواهر تعجز العلوم عن تفسيرها ، ولايمكن أبداً الوقوف على مصدر هذه الهدايات ، إلّاأنّ نُسَلِّمَ بأنَّ مبدىء عالم الوجود الذي تَكفَّل بهداية جميع الكائنات هو الذي وَهَبَ هذه العلوم عن طريق الالهام الفطري الخفي للإنسان أو الحيوانات.
ولدينا في هذا المجال قدر وافر من الشواهد بحيث لو جُمعت لشكَّلت كتاباً كبيراً ، منها الحالات الدقيقة الآتية :
١ ـ إنّ الطفل حين ولادته يعرفُ جيداً ومن دون الحاجةِ إلى معلِّمٍ كيفية الامساك بالثدي والرضاعة ، واستخدام اليد والأصابع لهذا العمل ، وعكس وايصال حاجاته إلى الأُم عن طريق البكاء ويكون حاملاً لاستعدادات خفية اكتسبها من أمُه ، من بينها : ابتداع الكلمات ،
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٤٢.