٥ ـ نظرية الحاجات الأخلاقية
يقول «أنشتاين» في بحث بعنوان «الدين والعلوم» : بقليل من الدقّة يتّضح أنّ الأحاسيس والانفعالات التي أدّت إلى ظهور الدين مختلفة ومتباينة جدّاً .. وبعد أن يشير إلى نظرية الخوف يضيف :
إنّ النزعة الاجتماعية لدى البشر هي أيضاً من أسباب ظهور الدين ، فالفرد يرى أنّ أباه وأمه ، أصدقاءه وأقاربه ، قادته وعظماءه ، يموتون ، ويرحلون منْ حوله واحداً واحداً ، إذن فالرغبة في الهداية والمحبّة وأن يكون محبوباً في مجتمعه وأن يكون له أمل في شخص ما معتمداً عليه ، تمهد الأرضية في نفسه لقبول الاعتقاد بالله (١).
وبهذا فهو يريد أن يفترض دافعاً أخلاقياً واجتماعياً لظهور الدين.
وهنا أيضاً نلاحظ أنّ الذين طرحوا هذه الفرضية قد خلطوا بين «الأثر» و «الدافع) ، في حين أنّنا نعلم أن ليس كل أثر هو دافع بالضرورة ، فَمن الممكن أن نعثر على كنز أثناء حفرنا لبئر عميق ، وهذا هو «أثر» ، والحال أنّه لا شك في أنّ المحرك والدافع الأساسي لحفرنا البئر شيء آخر وهو الحصول على الماء وليس اكتشاف كنزٍ ما.
وعليه فصحيح أنّ بامكان الدين تسكين ومعالجة آمال وآلام الإنسان الروحية ، وأنّ الإيمان بالله يخلصه من الاحساس بالوحدة عند فقد الأحبّة والأصدقاء ويملأُ الفراغ الناتج من فقدانهم ، ولكن هذا أثر وليس دافعاً.
الحافز الأصلي للدين والذي يبدو منطقياً جدّاً هو في الدرجة الأولى ما أشرنا إليه سابقاً ، فحينما يرى الإنسان نفسه وجهاً لوجه أمام نظام في عالم كلما تأمل فيه أكثر تعرف على عمقه وتعقيده وعظمته أكثر ، فهو لا يستطيع أبداً أن يعتبر ظهور ولو «وردة» واحدة بكل ما لها من ظرافة وبناء عجيب ، أو ظهور «عين» واحدة بكل ما فيها من نظام ظريف ودقيق ومعقد ، لا يستطيع أن يعتبر ذلك وليداً للطبيعة غير العاقلة والمصادفات العمياء الصماء ، ومن هنا يبحث الإنسان عن مُبدىء لهذا النظام.
__________________
(١) الدنيا التي أراها ، ص ٥٣.