ومع هذا تقولون هناك إلهٌ مع الله : «أإلهٌ مَعَ الله».
إلّا أنَّ هؤلاء أفراد يجهلون حيث يعدلون عن الخالق العظيم الذي أبدعَ كل هذه العجائب والغرائب ويجعلون الموجودات التي لا حول لها ولا قوةَ ندّاً لله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُوْنَ).
ومن الممكن أن يكون التعبير بـ «يعدلون» بمعنى عدولهم عن الله الواحد المنفرد ، أو اختلاق مثيلٍ ونظيرٍ له.
أجَلْ ... فعملُ الإنسان نثرُ البذور والرَّي وأمثال ذلك ، والله وحدهُ الذي خلقَ الروحَ في جنين هذه البذرة الصغيرة ، واعطاها القدرة على أنْ تتحولَ إلى شجرةٍ عملاقةٍ مثمرةٍ مزدهرةٍ نظرةٍ حيث يَبعثُ منظرُها في البساتين الفَرَح والسرورَ في نفس الإنسان ، ولو وضع الإنسان قدمَهُ وسط أحد هذه البساتين المزدهرة النظرة في أحدِ أيام الربيع ، وفتح بصيرتَه إلى جانب بصرهِ الظاهري ، ليرى كلَّ هذا التنوع والعجائب والمناظر الخلّابةِ والأزهار الملَّونَة والأوراق والثمار المختلفة ، لاستنشقَ عطرَ التوحيد وارتوى من كأسِ العبوديةِ واصبح مسحوراً مفتوناً ، بنحوٍ يجعلُهُ يترنَّمُ بلحنِ التوحيد ويعترف بهذه الحقيقة.
وهذا الشعر المنقول من اللغة الفارسية يقول :
هنالك واحدٌ لا أحد سواه |
|
وحده لا إله إلّاهو |
وهنا يثمر هذا الأمر :
كلُّ نباتٍ ينمو من الأرض |
|
يقول وحده لا شريك له |
* * *
وفي القسم الثالث من الآيات أعلاه وضمن تعرضه لخمسة أقسامٍ من براهين توحيد الخالق جلَّ وعلا وآيات الآفاق (خلقُ السموات بغيرِ عمدٍ ترونها ، وخلق الجبال ، وخلقُ الدّواب والحيوانات ، وخلق المطر ، وخلقُ النباتات) ، خاطبَ المشركين قائلاً : (هَذَا خَلْقُ الله فأَرُوْنى مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُونِهِ).
وأضاف في ختام الآيةِ : (بَلِ الظّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُبْينٍ).