قلنا : إضافة القول إليهما دونه تعالى يمنع من ذلك ، والقائل هو فاعل القول دون محلّه.
فأمّا قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) فالعذاب هو الألم والضرر ، وليس [يجري] مجرى العقاب الذي لا يكون إلّا على سبب متقدّم ولا يكون مبتدءا. ألا ترى أنّهم يقولون ابتدأه بالعذاب ، ولا يقولون ابتدأه بالعقاب؟ وقد يبيح الله تعالى من إيلام البهائم ما تضمّن هو العوض عنه ، كما أباح ركوبها والحمل عليها وأن ألمها ويثق (١) عليها وأباح ذبحها.
وقد روي أنّ العذاب الذي ذكره سليمان عليهالسلام إنّما كان نتف ريشه.
وليس قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) وعيدا على ما جرى في المسألة ؛ لأن القائل قد يقول وهو غير متوعّد : إن كان كذا ذبحت شاتي ، وإن لم يطر طائري إلى الموضع الفلاني ذبحته ؛ لأنّه مخيّر في أوقات هذا الذبح المباح ، وكان عليهالسلام يخبر عن ذبح الهدهد أو نتف ريشه إن لم يعلم من حاله ما يصرفه عن هذا الداعي ، فلمّا علم وروده من تلك الجهة ، انصرف عن داعي الذبح أو الايلام. ومعنى (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي يأتي بأمر يصرفني عمّا عزمت عليه ، فكأنّه حجّة وسلطان.
وسليمان عليهالسلام لم يجعل على الحقيقة الهدهد رسولا متحمّلا لكتاب ، ولا قال له : اذهب بكتابي هذا [و] ألقه إليهم ، ثمّ تولّ فانظر ما ذا يرجعون ، بل لمّا ظهر منه عليهالسلام ما فيه معاني هذه الحكاية وفوائدها ، جاز على مذهب العرب أن يضاف إليه أنّه قال ذلك.
ألا ترى أنّ أحدنا قد يكتب كتابا مع طائر ، ويرسله إلى بعض البلدان ، ليعرف أخبار تلك البلدة وأحوالها ، فيجوز أن يقول هذا ويحكي عنه غيره : أنّه أرسل الطائر ، وقال [له] : عرّفني ما في ذلك البلد وصف لي أحوال كذا وأخبار كذا ، ويجعل ما هو غرضه كأنّه ناطق به وما يوصل به إلى هذا الغرض ، كأنّه رسول مخاطب بالتي سئل.
__________________
(١) كذا في الأصل.