المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الحجرات» (١)
١ ـ في قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) استعارة. وقد قرئ «لا تقدّموا» بفتح التاء والدال ، والمعنيان واحد ، والمراد بذلك لا تسبقوا أمر الله ورسوله بفعل ما لم يأمرا به ويندبا اليه. وقال أبو عبيدة : العرب تقول فلان تقدّم بين يدي الإمام أي تعجّل بالأمر والنهي دونه ، وذلك مضادّ لما وصف الله به ملائكته ، إذ يقول : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢٧) [الأنبياء]. ومن قرأ (تُقَدِّمُوا) بضم التاء فإنما يريد به لا تقدّموا كلامكم بالحكم في الأمر قبل كلام الله سبحانه وكلام رسوله (ص) ، أي قبل الوحي النازل منه ، وقبل أداء رسوله إليكم ما أوحي به وأمر بتبليغه.
٢ ـ وفي قوله سبحانه : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الآية ١٢] ، استعارة ومبناها على أصل معروف في كلام العرب ، وهو تسميتهم المغتاب بآكل لحوم الناس ، حتى قال شاعرهم (٢) :
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم |
|
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |
وقال حسان بن ثابت في مرثية ابنة له (٣) :
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هو المقنّع الكندي.
(٣). المعروف أن هذا البيت من قصيدة له في مدح عائشة.