المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الفتح» (١)
إن قيل : لم جعل فتح مكة علة للمغفرة ، فقال تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ)؟
قلنا : لم يجعله علة للمغفرة بل لاجتماع ما وعده من الأمور الأربعة ، وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز. وقبل الفتح لم يكن إتمام النعمة والنصر العزيز حاصلا ، وإن كان الباقي حاصلا. ويجوز أن يكون فتح مكة سببا للمغفرة من حيث هو جهاد للعدو.
فإن قيل : قوله تعالى : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الآية ٢] إن كان المراد بما تأخّر ذنبا يتأخّر وجوده عن الخطاب بهذه الآية فهو معدوم عند نزولها ، فكيف يغفر الذنب المعدوم ، وإن كان المراد به ذنبا وجد قبل نزولها فهو متقدم فلم سماه متأخرا؟
قلنا : المراد بما تقدم قصة مارية ، وبما تأخر قصة امرأة زيد. وقيل المراد بما تقدم ما وجد منه ، وبما تأخّر ما لم يوجد منه على معنى أنه موعود بمغفرته على تقدير وجوده ، أو على طريق المبالغة كقولهم : فلان يضرب من يلقاه ومن لا يلقاه ؛ بمعنى يضرب كل أحد ، فكذا هنا معناه ليغفر لك الله كل ذنب : فالحاصل أن الذنب المتأخّر متقدّم على نزول الآية ، وإن كان متأخّرا بالنسبة إلى شيء آخر قبله ، أو متأخّرا عن نزولها وهو موعود بمغفرته ، أو على طريق المبالغة كما بيّنا.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.