الآيات الدالة على ثبوت البعث لم يجدوا لهم حجة إلا أن يقولوا :
(ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٥).
والله سبحانه له حكمة في خلق الناس ، فقد خلقهم للاختبار والابتلاء في الدنيا قبل الموعد الذي قدره وفق حكمته العليا.
والله هو الذي يحيي وهو الذي يميت ؛ فلا عجب ، إذا ، في أن يحيي الناس ويجمعهم الى يوم القيامة ، وهو سبحانه مالك السماوات والأرض ، وهو القادر على الإنشاء والإعادة.
مشاهد القيامة
تعرض الآيات الأخيرة من سورة «الجاثية» مشاهد الآخرة ظاهرة ملموسة للعين ، ومن خلال الآيات ترى المشركين وقد جثوا على الرّكب متميّزين أمّة أمّة في ارتقاب الحساب المرهوب.
ثم يأخذون كتابهم وقد سجّل كلّ شيء فيه ، ونسخت فيه كلّ أعمالهم.
(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٩).
ثم تنقسم الحشود الحاشدة والأمم المختلفة على مدى الأجيال إلى فريقين اثنين : الذين آمنوا ، وهؤلاء يدخلهم ربهم في رحمته ؛ والذين كفروا ، وهؤلاء يلقون التشهير والتوبيخ جزاء عنادهم ؛ وعندئذ يظهر أمام الذين كفروا سيئات ما عملوا ، ويحيق بهم المهانة والعذاب ، ويسدل الستار عليهم ، وقد أوصدت عليهم أبواب النار :
(ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٣٥).
وهنا ينطلق صوت التحميد يعلن وحدة الربوبية في هذا الكون سمائه وأرضه ، إنسه وجنّه ، طيره ووحشة ، وسائر ما فيه ومن فيه ؛ فكلّهم في رعاية رب واحد ، له الكبرياء المطلقة في هذا الوجود ، وله العزة القادرة والحكمة المدبرة :
(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣٧).