الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين حينما أبت قريش عليهم أن يدخلوا مكة ليؤدّوا عمرتهم ، فلم يهنوا أو لم يرتدّوا على أعقابهم ، بل وقفوا ينتظرون ما يكون بعد تبادل الرسل بينهم وبين قريش ، وقد وعدهم على هذا بما وعدهم ، وأوعد المنافقين الذين تخلفوا عنهم وظنّوا أنهم لن يرجعوا إليهم ، ثم مدح الذين بايعوا الرسول (ص) على الموت تحت شجرة الرّضوان حينما أشيع أن قريشا قتلت عثمان بن عفان ، وكان النبي (ص) قد أرسله إليها ، وذكر أن الذين بايعوه على ذلك إنما بايعوه ويد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بعهده فسيؤتيه أجرا عظيما. ثم ذكر أن أولئك المتخلّفين من المنافقين سيعتذرون بأنهم اشتغلوا بأموالهم وأهليهم ، وذكر أنهم كاذبون في اعتذارهم ، وأوعدهم على ذلك بما أوعدهم ، ثم ذكر جلّ وعلا أنهم سيطلبون من النبي (ص) بعد أن رأوا ظهور أمره أن ينطلقوا معه إلى القتال طمعا في الغنائم ، وأمره ألّا يمكّنهم من الانطلاق معه ، وأن يبيّن لهم أن القتال طمعا في الغنائم ليس طريقا لقبول توبتهم ، وإنما طريق ذلك أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولي بأس شديد ـ ولعلهم يهود خيبر ـ فإن يطيعوا أمر الله ، سبحانه ، في قتالهم يؤتهم أجرا حسنا ، وإن يتولوا كما تولّوا من قبل يعذبهم عذابا أليما ، واستثنى منهم صاحب العذر من الأعمى والأعرج والمريض ، ثم عاد السّياق إلى أولئك الذين بايعوا تحت الشجرة فذكر أن الله جلّ جلاله رضي عنهم ، وأنه سيثيبهم فتحا قريبا هو فتح خيبر ، وهذا إلى مغانم كثيرة يأخذونها بعدها ، وقد عجّل لهم فتح خيبر بعد أن كفّ أيدي قريش عنهم بذلك الصلح ، وهناك غنيمة أخرى لم يقدروا عليها هذه المدة وهي مكة ، وقد أحاط بها بفتح ما حولها ؛ ثم ذكر أنه لو لم يعقد هذا الصلح وقاتلتهم قريش لانتصروا عليها ، كما هي سنّته في نصر أوليائه على أعدائه ، ولكنه أراد ذلك الصلح وكفّ الفريقين عن القتال من بعد أن أظهر المؤمنين عليهم ، لأنّ مكة كانت لا يزال بها فريق من المسلمين لم يهاجروا إلى المدينة ، فلو دخلها المسلمون عنوة لأصابوهم مع المشركين ، ولهذا اقتضت إرادته ذلك ، لتكتمل هجرة من بقي بمكة من المسلمين ولو تميزوا فيها من المشركين