وقد نوّع الله جلّ جلاله في آياته ، لعلّ المكذّبين يرجعون إلى ربّهم ، ويثوبون الى رشدهم.
قال تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٧).
٤ ـ إيمان الجن
يتناول المقطع الرابع الحديث عن إيمان الجن ويشمل الآيات الأخيرة من سورة «الأحقاف».
وقد تحدث القرآن عن الجن فذكر أنّ أصلهم من نار ، وأنّ منهم الصالحين ومنهم الظالمين ، وأن لهم تجمّعات معيّنة تشبه تجمّعات البشر في قبائل وأجناس ، وأن لهم قدرة على الحياة على هذا الكوكب الأرضي ، ولهم قدرة على الحياة خارج هذا الكوكب. وللجن قدرة على التأثير في إدراك البشر ، والإيعاز بالشّرّ. قال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦). ومن خصائص الجنّ أن يروا النّاس ولا يراهم النّاس ، لقوله تعالى عن إبليس ، وهو من الجن : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف / ٢٧].
وقد تحدّثت الآيات الأخيرة من السورة عن إيمان الجن الذين استمعوا لهذا القرآن ، فتنادوا بالإنصات ، واطمأنّت قلوبهم إلى الإيمان ، وانصرفوا إلى قومهم منذرين يدعونهم الى الله سبحانه ، ويبشّرونهم بالغفران والنجاة ، ويحذّرونهم الإعراض والضلال.
وهذا الأمر في ظاهره الخبر عن إيمان الجن ، ومع ذلك ، فهو يصوّر أثر هذا القرآن في القلوب. فعند ما سمع الجن تلاوة القرآن قالوا : أنصتوا. وعند ما تأثرت قلوبهم ، انطلقوا الى قومهم يتحدثون عن القرآن والإيمان ، ويعرضون دعوة الإسلام على قومهم. وبفضل القرآن صاروا دعاة هداة ، ملك القرآن عليهم نفوسهم ، فانطلقوا يحملون الهداية والرحمة لقومهم ، ثم يتحدثون عن الصلة الوثيقة بين القرآن والتوراة ، بين محمد وموسى ، صلوات الله وسلامه عليهما ، وعلى الأنبياء والمرسلين كافّة ، فالجميع من عند الله لهداية خلق الله :