هذا ؛ ومن الغريب ما اختاره ذلك الفاضل من عدم الترجيح بالأصل اللفظي ، مع أنّه ممّا لا شبهة فيه ، وما استند إليه ضعيف في الغاية حسبما عرفت سابقا أيضا ، وهو أنّ الوجه في الترجيح به : إمّا أن يكون مجرّد تعدد الدليل في أحد الطرفين واعتضاد أحد الخبرين بدليل آخر ولو لم يوجب قوّة ، وإمّا أن يكون حصول القوّة والظن منه بالموافق.
أمّا الأول ففاسد ، لأنّ مجرّد التعدد لا يثمر شيئا إذا لم تحصل قوّة لأحد الخبرين وأمّا الثاني فنقول : إنّ القوّة إمّا في سند الخبر أو في دلالته أو في مضمونه ، وكلّها ممنوعة ، أمّا بالنسبة إلى السند ؛ فلعدم السنخيّة بين الأصل اللفظي وبين سند الموافق ، وأمّا بالنسبة إلى الدلالة والمضمون ؛ فلأنّ ذلك فرع حصول الظن من الأصل اللفظي ، وهو غير حاصل ؛ لأنّ المنشأ في حصول الظن من الظواهر هي الغلبة النوعيّة ، ولا يحصل منها مع وجود أمارة شخصيّة على خلافها ووفاقها ؛ إذ العبرة حينئذ بحال الأمارة الشخصيّة ، وهي توجب الظن مع عدم المعارض ، ففي المقام لا يحصل الظن من الأصل اللفظي ، لوجود الخبرين في قباله ، فالمدار عليهما ، وحيث إنّ كلّا منهما معارض بالآخر فلا يحصل من واحد منهما الظن أيضا.
والحاصل : أنّ العام مثلا موجب للظن بالنسبة إلى كلّ فرد فرد ، مع عدم وجود الدليل الخاص على حكم ذلك الفرد ، والمفروض في المقام وجود الخبرين ، فلا يحصل من العام ظن حتى يكون مقوّيا لدلالة أحد (١) الخبرين أو لمضمونه.
نعم ؛ لو كان كلّ من الخبرين أيضا من الأمارات المفيدة للظن النوعي نظير ذلك العموم أمكن حصول القوّة بسببه لأحدهما الموافق له ، مثلا إذا قال أكرم العلماء ولا تكرم العلماء ، وكان هناك عام آخر موافقا لمضمون أحدهما ، فإنّه يكون مقوّيا له ، لكونهما في عرض واحد ، إذ المفروض أنّه ليس الخبر خاصا في مقابل العام حتى يكون المدار على ذلك الخاص.
أقول : لا يخفى وضوح كون الأصل اللفظي مقويا لما وافقه ، كيف؟ وكلّا منهما (٢)
__________________
(١) لا توجد كلمة «أحد» في نسخة (د).
(٢) في نسخة (د) : وكلامهما.