[الوجه] الثاني : من وجوه تقديم الأدلة على الأصول : أنّه من باب الورود :
إمّا بأن يقال : إنّ المراد من الشكّ المأخوذ فيها بأحد الوجهين السابقين الشك الذي لا ينتهي إلى العلم ، أعني المحيّر ، وعدم البيان .. ونحو ذلك ؛ نظير الأصول العقليّة ، فيرتفع حقيقة بالدليل الاجتهادي ، وإمّا بأن يقال : إنّ المراد من العلم الذي جعل غاية العمل بها أعم من العقلي والشرعي ، ومآل هذا إلى الأول ؛ لأنّ التصرف في العلم يقتضي التصرف في الشك أيضا ، والفرق إنّما هو بكون التصرف أولا في لفظ الشك أو في لفظ العلم.
وإمّا بأن يقال إنّ المراد من الشك والعلم وإن كان ظاهرهما ، وهو التردد في أنّ الواقع ما ذا ، والقطع بالواقع إلا أنّ الحكم بالرجوع إليها مقيّد بعدم وجود الأدلة الاجتهاديّة ، فعدمه قيد في الحكم في تلك القضايا المتكفلة لبيان الأصول ، كما إنّه على الأولين قيد في موضوعها ، فمع وجود الدليل لا وجه للعمل بها ، لعدم وجود موضوعها ، أو لعدم وجود شرط جواز العمل بها ، ويؤيد الوجه الثاني أنّ اليقين السابق في الاستصحاب أعم من العقلي والشرعي ، إذ المراد من الحكم السابق (١) أعم ممّا ثبت بالقطع أو بالأدلة الاجتهاديّة فيكشف عن أنّ المراد من اليقين اللاحق أيضا أعم.
ويؤيد أصل المطلب قوله في بعض أخبار البراءة «.. والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (٢) فإنّه جعل المدار على الاستبانة التي هي أعم من العقلي والشرعي ، وأيضا جعل مجيء البينة غاية وهي دليل اجتهادي ، وأيضا قوله عليهالسلام «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٣) فإنّه أعم (٤) من الورود العلمي والظني المعتبر ، وأيضا إنّ بناء العقلاء في أحكامهم على ذلك في جعل الطرق والأصول ، فإنّهم لو جعلوا طرقا وأصولا ، وبعبارة أخرى أحكاما للعمل وطرقا إلى واقعيّاتهم لا يرجعون إلى أحكامهم العمليّة مع وجود الطرق ، فيكشف عن أنّ
__________________
(١) بعدها في نسخة (ب) : المعلوم.
(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، حديث ٤.
(٣) الفقيه : ١ / ٣١٧ حديث ٩٣٧ ، الوسائل : ٦ / الباب ١٩ من أبواب القنوت ، حديث ٣.
(٤) كلمة «فإنّه أعم» لا توجد في نسخة (ب).