يحسن إطلاق التساقط.
هذا ؛ ولازم التساقط جواز الرجوع إلى الأصل المخالف أيضا إذا فرض عدم العلم بصدق أحد الخبرين.
الثالث : [هل أنّ أدلة الحجيّة شاملة لكلا المتعارضين أم لا؟]
إذا قلنا بعدم إمكان التعارض عقلا أو شرعا ، وأنّه لا يجوز نصب الحجّتين المتعارضتين ؛ لاستلزامه التناقض ـ حسبما عرفت ـ فلا إشكال في عدم شمول عمومات أدلّة الحجيّة لكلا المتعارضين ، وأمّا إذا قلنا بإمكانه عقلا وشرعا ، فهل الأدلّة الدالة على اعتبار الأدلة شاملة لهما ، أو لأحدهما ، مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة وغيرها أم لا؟ قد يقال بعدم الشمول ؛ أمّا إذا كان لبّيا كالإجماع ونحوه فلعدم العموم ، وأمّا إذا كان لفظيّا عاما فلأنّ ظاهره الوجوب العيني ، وهو غير ممكن مع فرض المعارضة ، والفرد لا بعينه ليس فردا ، والتخيير خلاف ظاهر الدليل ، مع أنّه مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين ، حيث إنّ وجوب العمل في غير مورد المعارضة عيني.
وفيه :
أولا : أنّه لا فرق بين اللفظي واللبّي ، إذ في اللبّي أيضا يمكن أنّ معقد الإجماع حجيّة كل خبر لا دليل على عدم حجيّته ، ولا مانع منه شرعا ، والظاهر أنّ الإجماع المنعقد على حجيّة أخبار الآحاد كذلك ، كما لا يخفى!
وثانيا : أنّه لا مانع من إبقاء العموم على حاله من الوجوب العيني ، والحكم بالتخيير في مقام العمل ، من باب حكم العقل ، إذ ذلك لا يستلزم التصرف في خطاب الشارع ، وذلك لأنّ التنجز ليس إلا بحكم العقل ، وليس الخطاب مستعملا فيه حتى يكون حكم العقل بعدمه ؛ إلا في أحدهما لا بعينه ، مستلزما لصرفه عن ظاهره ، ففي مثل قوله أنقذ الغريق مفاده ليس إلا إيجاب إنقاذ كلّ غريق عينا ، فإن لم يكن مانع من تنجزه بأن لم يكن المكلّف جاهلا ولا عاجزا ، يحكم العقل بكونه منجزا ، وإلا فهو باق على وجوبه ، إلا أنّه غير منجّز ، وإذا فرض المانع من أحدهما لا بعينه يحكم بعدم التنجز إلا في واحد لا بعينه ، فبعد حكم الشرع بوجوب كلّ منهما