الرابع : [المراد بالأولويّة وأنّها وجوبيّة]
المراد بالأولويّة في المقام هو الوجوب والتعين ، نظيرها في قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(١) ، إذ لا معنى للحكم بجواز الأمرين من العمل بالتأويل والرجوع إلى المرجحات بحيث يكون المجتهد مخيرا بينهما ، بل مع إمكان الجمع يتعين التأويل والأخذ بهما ، لأنّ دليلهم على فرض تماميّته يدل على التعيين ، وهذا إذا كان المراد الجمع الحقيقي المثمر في مقام العمل ، كما هو المفروض ، وأمّا الجمع التبرعي الذي يصنعه الشيخ في الإستبصار ، وهو الذي نسميه بالجمع الاحتمالي فهو على وجه الأولويّة لا التعيين ، لأنّه إذا بنى عمله على أحد الخبرين لرجحانه فالأولى أن لا يطرح الخبر الآخر بالمرّة ، بل يذره في سنبله ، ويجعل له محملا ، وإن لم يكن بانيا عليه في مقام العمل.
وقد يحمل على ما هو موافق لدليل آخر ، فهو وإن كان يبني عليه في عمله لكنّه في الحقيقة عامل بذلك الدليل ، وليس معوّلا على هذا الخبر المؤوّل ، كما هو واضح
الخامس : [المراد من الإمكان]
للإمكان صور :
أحدها (٢) : الإمكان العرفي ؛ وهو ما إذا حكم العرف ـ بعد ملاحظة الخبرين فرض صدورهما معا ـ بأنّ المراد منها كذا بالتأويل في أحدهما بإرجاعه إلى الآخر أو بالتأويل في كليهما بإرادة معنى ثالث منهما ، أو بحمل كل منهما على معنى آخر غير ما هو ظاهره بحيث يرتفع التنافي بينهما.
الثانية : الإمكان بشاهد من عقل أو نقل ، كما لو فرض عدم فهم العرف كونهما أو أحدهما قرينة على الآخر ، كما في الصورة الأولى ، لكن كان العقل حاكما ـ على فرض صدورهما معا ـ أنّه لا بدّ أن يكون المراد كذا ، أو كان هناك خبر ثالث شاهد للجمع مثلا ، إذا دلّ أحد الخبرين على القصر في أربعة فراسخ ، والآخر على الإتمام
__________________
(١) الأنفال : ٧٥.
(٢) ألفاظ الأعداد في نسخة (ب) كانت مذكرة.