فرض عدم وجوب الأخذ بها ، فهل الأصل التساقط أو التوقف أو الاحتياط أو التخيير؟ وجوه ؛ ويزيد في أمارات الموضوعات احتمال سادس (١) وهو القرعة ، ولا مجرى لها في أدلّة الأحكام ؛ للإجماع على اختصاصها بالموضوعات ، إلا أن يقال : القدر المعلوم عدم جريانها في نفس الأحكام ، وأمّا مقدّماتها فلا بأس بجريانها فيها ، ألا ترى أنّها تجري في تعارض البيّنتين في الجرح والتعديل في الرواة ، وفي قولي اللّغويّين ، مع أنّها من مقدّمات الأحكام الكليّة.
هذا ؛ ولكنّ الظاهر قيام الإجماع على عدم جريانها في تعيين الحجّة من الخبرين هذا ؛ وإنّما خمّسنا الاحتمالات لأنّ كلامنا في الأصل في المتعارضين الأعم من المتعادلين والمتفاضلين ، ومن ربّعها يحذف الاحتمال الأول كالمحقق الأنصاري قدس سرّه فلأنّه فرض الكلام في المتعادلين.
وقبل الشروع في تحقيق الحال لا بدّ من ذكر أمور :
أحدها : [تحديد محل البحث]
أنّ مورد الكلام ما إذا كان لكلّ من المتعارضين دليل يدل على اعتباره بظاهره ، بأن لا يكون الدليل عليه لبّيا قاصرا ، أو لفظا منصرفا عن صورة المعارضة ، فإنّهما أو أحدهما حينئذ يسقط عن الاعتبار ؛ لا للمعارضة ، بل لعدم شمول الدليل ، ولا بدّ أن يكون النظر مقصورا على دليل الاعتبار فقط ، بأن لا يلاحظ ما ورد من الشارع في علاج المتعارضين ، فمحلّ البحث أنّه إذا كان هناك عموم يدلّ على اعتبار الخبر مثلا ، ولم يكن فيه قصور ولا تقصير ، وفرض تعارض فردين منه : فهل الأصل ما ذا؟ (٢)
ومن ذلك يظهر ما ذكرنا من أنّ البحث يجري في الأمارتين أيضا ، وعدم شمول دليل الاعتبار في بعض المقامات لا يضرّ بالكليّة المدّعاة ، إذ الكلام في تحقيق الكبرى ، لا تشخيص الصغريات ، وكذا ورود العلاج في بعض الأدلة كالأخبار والبينتين ، فإنّ الكلام مع الإغماض عنه ، ثم إنّ حكم تعارض الأصلين له محلّ آخر
__________________
(١) فالأمور التي ذكرها هي ـ بالإضافة للترجيح ـ : التخيير والتوقف والتساقط والاحتياط فتكون القرعة هي السادسة ؛ وهو المناسب لقوله بعد ذلك «وإنّما خمّسنا ..».
(٢) هذه العبارة الأخيرة فيها ضعف ؛ لتكرر أداة الاستفهام بلا موجب ، وحق العبارة حذف إحداهما وهي ـ هل ـ وتكون العبارة هكذا : فما ذا يكون الأصل هنا؟