لم تكن دليلا على التخيير إلا أنّها تصلح لمعارضة عمومات التوقف ، نعم يستفاد من ذيل المقبولة شمول تلك العمومات للمقام ؛ فبملاحظتها تعارض أخبار التخيير ، ولا تنفع خصوصيتها ؛ لأنّ المقبولة تجعل تلك العمومات نصا في المقام ؛ لكن لازم الأخذ بذيل المقبولة الحكم بالاحتياط في الشبهات البدويّة أيضا ؛ إذ لا يمكن تخصيص عمومات أخبار التوقف بخصوص الخبرين المتعارضين.
والحاصل أنّ القائل بالبراءة في الشبهات البدويّة ليس له التمسك بهذه العمومات في المقام ، فينحصر طرف المعارضة لأخبار التخيير في الأخبار الخاصّة ، وحينئذ نقول يمكن الجمع بينهما بوجوه :
أحدها : ما (١) عن المجلسي (٢) من حمل أخبار التوقف على الاستحباب أو كراهة العمل ، والعمل بأخبار التخيير ؛ وذلك لأنّ أخبار التخيير نصّ بالنسبة إلى تلك ، وذلك لأنّها صريحة في رخصة العمل بأحدهما ؛ بل مفادها ليس إلا مجرّد الرخصة ، أمّا مثل قوله عليهالسلام : «بأيّهما أخذت ..» (٣) فواضح ، وأمّا مثل قوله : «فتخير أحدهما» فلأنّه أمر إرشادي ؛ فلا ينافي ترك الأخذ به إذا أحرز الواقع بطريق آخر ، وهو الاحتياط ، فالأمر بالأخذ بأحدهما مثل الأمر بالأخذ بالخبر بلا معارض ، فإنّه يجوز ترك الأخذ به والاحتياط في العمل إذا كان مفاد ذلك الخبر عدم الوجوب مثلا ، وأمّا أخبار التوقف فليست نصا في وجوب الاحتياط ؛ بل هي ظاهرة في ذلك ، فتحمل
__________________
(١) لا توجد في نسخة (ب).
(٢) حكاه عنه في الفصول الغرويّة : ٤٣٠ ، ولاحظ بحار الأنوار : ٢ / ٢٢٤. أقول : هذا أحد الوجوه التي ذكرها العلامة المجلسي وليس وحده بل ذكر وجوها أخرى ولننقل كلامه حتى يتضح مراده كاملا ، قال قدس سرّه : ما ذكره ـ أي الشيخ الصدوق ـ في الجمع بين الخبرين من حمل الإرجاء على ما إذا تمكن من الوصول إلى إمامه والرجوع إليه والتخيير على عدمه هو أظهر الوجوه وأوجهها ، وجمع بينهما بعض الأفاضل ـ لعله الميرزا الاسترابادي ـ بحمل التخيير على ما ورد في العبادات وتخصيص الإرجاء بما إذا تعلق بالمعاملات والأحكام ، ويمكن الجمع بحمل الإرجاء على عدم الحكم بأحدهما بخصوصه فلا ينافي جواز العمل بأيهما شاء أو بحمل الإرجاء على الاستحباب والتخيير على الجواز ، أو بحمل الإرجاء على ما يمكن الإرجاء فيه بأن لا يكون مضطرا إلى العمل بأحدهما كما يومئ إليه خبر سماعة ...
(٣) في نسخة (د) أكملت الرواية بعدها : من باب التسليم وسعك.