الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزوة بدر : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ، ولا نتأخّر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
قال : «بل هو الرأي والحرب والمكيدة؟» فقال : يا رسول الله ، فإنّ هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ثمّ نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثمّ نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لقد أشرت بالرأي». فنهض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن معه من الناس ، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثمّ أمر بالقلب فغوّرت ، وبنى حوضا على القلب الذي نزل عليه فملئ ماء ، ثمّ قذفوا فيه الآنية. (١)
أقول : إنّ متابعة قول الصحابي الحباب بن المنذر لم ينشأ عن خطأ رأي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنزل الذي نزلوه ، بل انّ كلا الرأيين كانا على صواب ، ولكنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نزل عند رغبة الحباب إجلالا له واستمالة لقلوب الأصحاب وتسكينا لنفوسهم ، ودعما لمبدأ الشورى الذي يهدف الإسلام إلى تعزيزه بين المسلمين في مجالات حياتهم ، في دعوة منه إلى مشاركة أكثر في صنع القرارات ، ودرءا لمحاولات الاستبداد بالرأي والتحكّم بالقرار قال سبحانه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ
__________________
(١) السيرة النبوية : ٢ / ٦٢٠.