فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.)(١) هذا إذا صحّت الرواية وإلّا فلتطرح.
فلم تكن مشاورة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في واحد من تلك المواقف نابعة عن جهله (نعوذ بالله) بما فيه مصلحة الأمّة ، بل كانت المصلحة يومذاك تقتضي المشاورة والوقوف على الآراء ، ثمّ العزم على ما تقتضيه المصلحة ، ومن هنا استشارهم صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزوة بدر قائلا : «أشيروا عليّ أيّها الناس» ومبتغيا بذلك معرفة رأي الأنصار ومدى استعدادهم للحرب ، ذلك أنّهم كانوا يؤلّفون الأكثرية وانّهم حينما بايعوه بالعقبة فإنّما بايعوه على أن يدافعوا عنه مثلما يدافعون عن أبنائهم ونسائهم ولم يبايعوه للهجوم والقتال ، ولما كان المسير إلى وادي بدر مسيرا للقتال ، فلم يكن له بدّ من استشارتهم ، فلمّا اطمأنّ إلى استعدادهم لأكثر ممّا بايعوه بالعقبة ، قال : «سيروا وأبشروا».
روى ابن هشام : انّ سعد بن معاذ ، قام وقال : فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضنا معك ، ما تخلّف منّا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا انّا لصبر في الحرب وصدق في اللقاء ، لعل الله يريك منّا ما تقرّ به عينك ، فسر بنا على بركة الله. فسرّ رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك ، ثمّ قال : «سيروا وأبشروا». (٢)
وهذه هي الضابطة الكلية في كلّ ما شاور النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحروب
__________________
(١) آل عمران : ١٥٩.
(٢) السيرة النبوية : ٢ / ٦١٥.