جلاله وعظمته ثم يقول لنفسه : استرحت فقومى فصلى ، فإذا صلى زمانا قال للسانه : استرحت ، فأخذ فى التسبيح ، فإذا ذكر زمانا قال لعينه : استرحت ، فأخذ فى البكاء ، على هذا الوصف كان يقطع طول ليله.
وقيل للحسن البصرى : إن بالبصرة شابا لا يحضر مجلسك ، فقال له الحسن : لم لا تحضر مجلسى؟ فقال : أنا أنوي كل ليلة أن أحضر مجلسك ، فإذا أصبحت استقبلنى قوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١) فأفكر فى ذلك كيف يكون حالى ، ثم يستقبلنى قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢) فأفكر فى ضيق القبر كيف يكون فيه حالى ، ثم يستقبلنى قوله تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٣) فأفكر فى القيامة كيف يكون حالى ، ثم يستقبلنى قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (٤) فأفكر فى أى الفريقين أكون ، فيفوتنى حضور مجلسك ، فصاح الحسن صيحة ثم قال : إن الحسن يحتاج أن يحضر مجلسك.
وإن من أيقن أن آخر عمره دخول اللحد لم يشتغل بتزيين المهد ، بل عمر قبره ، ولم يشيد قصره ، وعلم أنه يركب الأعناق والأجياد (٥) ولم يبتهج بأن يركب العتاق والجياد ، واستيقن أن ماله إن لم يزل عنه بحادث زال عنه إلى وارث.
وأنشدوا :
يا غافلا أدركه الموت |
|
إن لم تبادر فهو الفوت |
__________________
(١) السجدة : ١١.
(٢) المؤمنون : ١٠٠.
(٣) ق : ٤١.
(٤) هود : ١٠٥.
(٥) عند حمله إلى قبره.