____________________________________
اكتفاء بإرادة الله تعالى ، واختيار الأمة ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ، فلما حصل لبعضهم شك هل ذلك القول من جهة المرضع أو هو قول يجب اتّباعه (١) ترك الكتابة اكتفاء بما سبق فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبيّنه بيانا قاطعا للمعذرة ، لكن لما دلّهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعيّن وفهموا ذلك حصل المقصود هنا لك ثم الأنصار كلهم بايعوا أبا بكر إلا سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب الولاية لنفسه ، ولذا لما بايع عمر وأبو عبيدة ومن حضر من الأنصار ، قال قائل : قتلتم سعدا (٢) فقال عمر : قتله الله (٣) ولم يقل أحد من الصحابة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم نصّ على
__________________
(١) أخرج البخاري ٧٣٦٦ ، ومسلم ١٦٣٧ ح ٢٢ من طريق معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : «لما حضر النبي صلىاللهعليهوسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «هلمّ (وفي رواية ايتوني بكتاب) أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده فقال عمر : إن النبي صلىاللهعليهوسلم غلبه الوجع ، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت ، واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابا لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلىاللهعليهوسلم قال : قوموا عني قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول : إن الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. وأخرجه البخاري أيضا ١١٤ و ٣٠٥٣ و ٣١٦٨ و ٤٤٣١ وفي بعضها ومسلم : أن ذلك كان يوم الخميس.
قال القرطبي فيما نقله عنه الحافظ في الفتح ١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ : وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب ، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح ، فكرهوا أن يكلّفوه من ذلك ما يشقّ عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ، وقوله تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ). ولهذا قال عمر : حسبنا كتاب الله ، وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح ، ودلّ أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ، ولهذا عاش صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك أياما ، ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم ، لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف ، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر ، فإذا اعتزم امتثلوا. قال الحافظ : واختلف في المراد بالكتاب فقيل : كان أراد أن يكتب كتابا ينصّ فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف ، وقيل : بل أراد أن ينصّ على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف ، قاله سفيان بن عيينة ، ويؤيده أنه صلىاللهعليهوسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة : «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمنّ ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». أخرجه مسلم (٣٣٨٧) وللمصنف (أي البخاري) معناه ، ومع ذلك فلم يكتب ، والأول أظهر لقول عمر : كتاب الله حسبنا ، أي كافينا ، مع أنه لم يشمل الوجه الثاني ، لأنه بعض أفراده والله أعلم.
(٢) في البخاري سعد بن عبادة.
(٣) أخرجه البخاري ٣٦٦٨ ، ولم أجده في مسلم.