فبشّرهم خبرا له وقد مرّ انّ ما يسمّونه واو الاستيناف هو واو العطف بلحاظ المعنى (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) دخول الفاء في الخبر على كونه خبرا لكون المبتدء في معنى الشّرط (يَوْمَ يُحْمى) يوقد النّار (عَلَيْها) على الذّهب والفضّة وضمير المؤنّث باعتبار معنى الجمعيّة والكثرة فيهما (فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) ذكر تعالى أشرف الاجزاء وأقواها اشارة الى شمول الكىّ أو لانّهم أرادوا بالكنز الوجاهة ونعامة فراش الجنبين والظّهر مقولا لهم (هذا) الّذى تكوون به (ما كَنَزْتُمْ) أو هذا الكىّ غاية ما كنزتم وهو ضدّ ما أردتم (لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) اى وباله قد اختلف الاخبار في حقيقة الكنز وفي قدر يصدق عليه الكنز وفي مال يصدق عليه وقد ذكرت الاخبار في المفصّلات ، وتحقيق الحقّ فيه موافقا لاشارات الاخبار انّ الإنسان له مراتب كثيرة وحكمه وحاله في كلّ مرتبة مخالف لحاله في غيرها ، مثلا الواقع في جهنّام النّفس الّذى لا يرى الخير الّا ما اقتضته نفسه ولا يرى الّا الأسباب وكان محجوبا عن الله وتسبيبه ، فكلّما جمع مالا لا يكون ذلك منه الّا محض حبّ المال أو محض الاتّكال في المعاش عليه مع عدم الوثوق بالله والتّوكّل عليه ، وهذا المال منه كنز قليلا كان أو كثيرا تحت الأرض كان أو فوقها مؤدّى زكوته أو غير مؤدّى ، بل هو شرك بالله وكفر وصاحبه وثنّى وذلك المال صنمه ، وان توجّه من جهنّام النّفس الى الملكوت العليا ولا محالة يكون منزجرا عن النّفس وجهنّامها لكنّه ما لم يخرج منها يكون مقيّدا مبتلى بمقتضياتها وسلاسل شهواتها ، فان جمع في حال التّوجّه والانزجار متوكّلا به على الله مصداقا لما قيل في مضمون الصّحيحة النّبويّة : (مثنوى)
«با توكّل زانوى اشتر ببند»
معينا به على خروجه وعلى معيشته لم يكن كنزا ، لانّه حينئذ يؤدّى حقوقه الواجبة والمندوبة حيث يريد الخروج من تحت امر نفسه والدّخول تحت امر ربّه ، وان جمع في حال التّقييد بالنّفس ومشتهياتها ولا محالة يكون محجوبا من الله والتّوكّل عليه كان كنزا ادّى حقوقه أو لم يؤدّ ، وان خرج من تلك الجهنّام الى الجانب الأيمن من طور الصّدر كان له الحالتان أيضا لكن تقيّده بسلاسل شهواتها يكون أضعف ، وان خرج من بيت نفسه الخراب الى بيت قلبه المعمور فهو أيضا ذو وجهين وله الحالان ، وان دخل بيت قلبه فقد دخل دار الامان وفي حقّه قيل:
كفر گيرد ملّتى ملّت شود
فميزان الكنز وعدمه حال الإنسان لا حال المال وقدره ، فالفقير المحبّ للدّنيا مكتنز ، والغنىّ المنزجر غير مكتنز ، والكنز عبارة عن محبّة الدّنيا المدّخرة في بيت القلب اعتمادا عليها ووثوقا بها لا المال المكتنز تحت التّراب (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) استيناف لا بداء ذمّ أخر للمشركين وعلّة اخرى لمقاتلتهم اعلم ، انّ الايّام والشّهور الزّمانيّة الّتى هاهنا صور للدّهر والدّهر صورة للسرمد ، والكلّ ظهور سير شمس الحقيقة في بروجها السّتّة النّزوليّة والسّتّة الصّعوديّة وغروبها في أفق كرة ارض الطّبع وطلوعها منه وظهور الكلّ علينا بهذا الزّمان الّذى يعبّر عنه باليوم واللّيل والشّهر والعام ، فهذه الايّام والأشهر لها حقائق متمايزة في مراتب الملكوت والجبروت وتلك الحقائق لها آثار وخواصّ ورقائق في هذه ، وما قاله الأنبياء (ع) وأصحاب الوحي والتّحديث من خواصّها وما جرّ به المجرّبون منها عشر من أعشار خواصّها ، وما يترتّب عليها مثل ما قالوا من خواصّ ايّام الأسبوع أو ايّام الشّهور ، ومثل ما قالوا من خواصّ الشّهور ولمّا جعل المشركون كالطّبيعيّين وأكثر العوامّ ما سمعوه منها كالاسمار ولم يستمعوه بسمع الحقيقة والاعتبار بل قالوا : انّ الايّام متشابهة والأشهر