باعتبار المبدء كما سبق أو باعتبار المنتهى لكنّ المراد بالجنّة جنّة الدّنيا كما في أخبارنا ، فالمعنى اما الذين سعدوا ففي جنة الدنيا خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الا ما شاء ربك ان يخرجوا منها الى جنّات المأوى ومقام الرّضوان ويدلّ عليه التّقييد بدوام السّماوات والأرض فانّها باقية في الجنّات الدّانية ، وامّا جنّات المأوى فليس فيها سماء ولا ارض ليس عند ربّنا صباح ولا مساء ويدلّ عليه أيضا قوله (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) فانّهم ان خرجوا منها لا الى مثلها أو ما فوقها كان العطاء مجذوذا لا محالة.
شرح في عوالم البرازخ والمثال والآخرة
اعلم ، انّ الإنسان من اوّل استقرار نطفته ومادّة بدنه في الخلع واللّبس والموت والبعث فله في كلّ آن موت وحشر وخلع لصورة ولبس لأخرى الى آخر حيوته الدّنيويّة واوّل مماته الطّبيعيّة ، لكنّه لمّا كان بنحو الاتّصال التّدريجىّ في عالم واحد طبيعىّ خصوصا بعد تولّده الى آخر عمره ولا يظهر على أهل الحسّ ظهورا غير مغفول عنه ما سمّوه في الشّريعة المطهّرة موتا وحشرا ، ويذهل أهل لحسّ عن تبدّله وخلعه ولبسه مع انّه مشهود معلوم لكلّ أحد من حيث انّه يشهد انّ النّطفة أضعف جماد ويعلم انّه مادّة البدن ثمّ يراها حيوانا ثمّ إنسانا صبيّا ثمّ مراهقا ثمّ شابّا وكهلا وهرما ، لكن خلعه البدن وانتقاله الى عالم آخر لمّا كان من عالم الى عالم ومن مادّة طبيعية الى صورة اخرويّة مجرّدة ودفعة لا تدريجا صار ممتازا عمّا قبله منظورا اليه مسمّى بالموت والارتحال كما انّ خروجه من رحم أمّه وانفصاله منها لمّا كان دفعة وانتقالا من عالم الى عالم وخروجا من مضيق الرّحم وظلماته الثّلاث صار ممتازا منظورا اليه مسمّى بالولادة ؛ وبعد خروجه من بطن الدّنيا ورحم غلاف البدن ومشيمة اغشية الأهواء ، وولادته في الآخرة له حالات وانتقالات وفي كلّ انتقال موت وحيوة وخلع ولبس وقبر وبعث. فاوّل حالاته الاماتة التّامّة والغشي العامّ الحاصل بالنّفخة الاولى ونفخة الاماتة ويمكث في تلك الحالة ما شاء الله كما أشير اليه في أخبارنا ، وبعد ما يبعث من تلك الحالة بالنّفخة الثّانية ونفخة الحيوة له حالات وانتقالات من صورة الى صورة بحسب ما اكتسبه في الدّنيا من الأعمال والأخلاق ، فان كان من أهل الشّقاوة يتقلّب في الصّور الموذية والنّار الدّانية الى ان ينتهى الى نار الآخرة وان كان من أهل السّعادة وكان عليه شوب من الأعمال السّيّئة والأخلاق الرّذيلة يتقلّب في الصّور الموذية الى ان يتخلّص منها الى الصّور البهيّة ، وان لم يكن عليه شوب من ذلك يتقلّب في الصّور الموذية الى ان يتخلّص منها الى الصّور البهيّة ، وان لم يكن عليه شوب من ذلك يتقللّب في الصّور البهيّة الى ان ينتهى الى جنان الآخرة وجنّة المأوى ويسمّى عالم التّقلّبات برزخا بين عالم الطّبع وعالم الآخرة وفي هذا العالم يكون ترقيّات وتنزّلات في الآخرة ، ونصوص الآيات والاخبار تدلّ على ذلك ، وقرّره العرفاء الشّامخون والصّوفيّة المكاشفون والعقل لا يأباه فلا اعتناء بما قاله بعض المتفلسفة من عدم التّرقّي والتّنزّل بعد الموت بناء على انكار عالم البرزخ والمثال أو على انقطاع المادّة والاستعداد وانّ التّرقّي والتّنزّل لا يكونان الّا بالمادّة والاستعداد. امّا عالم البرزخ والمثال فقد اثبته الآيات والاخبار وحقّقه المكاشفون الأخيار واحتجّ عليه الاشراقيّون من الحكماء الأبرار ومحلّ تحقيقه الحكمة العالية. وامّا انقطاع الاستعداد فمسلّم لكن لا ينافيه ظهور المكسوبات بالاستعداد في الدّنيا بعد الموت بصور مناسبة لها متعاقبة لعدم سعة النّفس لظهور الصّور تماما واستجماعها دفعة حتّى تنتهي الصّور الى صورة لا خروج للنّفس منها بحسب آخر أعمالها في السّعادة أو الشّقاوة ، كما هو شأن أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال ، أو تخرج النّفس من عالم الصّورة الى عالم المجرّدات الصّرفة كما هو شأن المقرّبين ، وهناك ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وخروجها الى عالم المجرّدات الصّرفة لا ينافي سعتها وتنعّمها بنعيم الجنان الصّوريّة بحسب مراتبها النّازلة وجنودها الدّانية فانّ المقرّبين مشاركون لأصحاب اليمين في لذّاتهم الصّوريّة وهم لا يشاركون المقرّبين في لذّاتهم المعنويّة