سورة النّحل
مائة وثمان وعشرون آية ، وهي مكّيّة كلّها ، وقيل : من اوّلها الى قوله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا
فِي اللهِ) مكّيّة ، والباقي مدنيّة ، وقيل : مكّيّة غير ثلاث آيات وهي قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ)
(الى آخر السّورة)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) كانوا يستعجلون ما وعدهم الرّسول (ص) من العذاب والإهلاك وقيام السّاعة والحساب والعقاب يوم القيامة استهزاء به وبرسالته وبايعاده فقال تعالى : أتى أمر الله بالإهلاك بالماضي للاشارة الى تحقّقه أو للاشارة الى قرب حصوله وكانوا يقولون استهزاء إذا وقع ما توعّده فأصنامنا تشفع لنا فقال تعالى (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) فلا يشفع شيء لهم ولا يدفع الأصنام شيئا من عذابه (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) اعلم ، انّ الإنسان من اوّل استقرار مادّته في الرّحم يقع في تدبير الملائكة فيربّونه ويجلبون ما يحتاج اليه ويدفعون عنه ما يضرّه وانّ الله تعالى يبعث عليه بمحض فضله ملائكة ويزداد عددهم يوما فيوما وآنا فآنا الى أو ان البلوغ ، فان ساعده التّوفيق واستعان بالله اختيارا كما كان مستعينا به تكوينا قبل ذلك لم ينقطع إمداده بالملائكة بعد ذلك أيضا ، والملائكة الّذين كانوا موكّلين به كانوا ملائكة ارضيّين وهم الملائكة الّذين أمروا بالسّجود لآدم (ع) وبعد ذلك يكون الأمداد بالملائكة السّماويّة ويزداد كلّ يوم عددهم الى ان بلغ الى مقام العبوديّة واوّل ظهور الرّبوبيّة وحينئذ بمدّة بالعظام من الملائكة كجبرئيل وميكائيل ، ويمدّه أيضا بالرّوح وهو أعظم من جبرئيل وميكائيل كما ورد في الاخبار ، ولعلّ الرّوح هاهنا اشارة الى الملك المعتنى بتربية نوع الإنسان ويسمّيه الاشراقيّون ربّ النّوع وله بعدد كلّ إنسان وجه كما في الخبر وهو المحيط بجميع افراد الإنسان بل بجميع موجودات العالم لانّ جميع الأنواع تحت نوع الإنسان ، وجميع أرباب الأنواع تحت ربّ النّوع الانسانىّ ، وجميع الموجودات تحت أرباب أنواعها فجميع الموجودات تحت ربّ النّوع الانسانىّ وعلى هذا فالمعنى ينزّل الملائكة مع الرّوح ، أو ينزّل الملائكة بسبب الرّوح وتوسّطه ، وعلى الاوّل فالمنزّل عليه الخواصّ من الأنبياء وعلى الثّانى جملة الأنبياء ، أو المراد بالرّوح ما يحيى به القلوب من الجهل تشبيها بالرّوح الّتى يحيى