هُمُ الْغافِلُونَ) تكرار اسم الاشارة البعيدة لتحقيرهم ولتطويل التّغليظ عليهم كما هو المناسب لمقام الّذمّ والجملة تأكيد للأولى باعتبار لازم معناها ولذا لم يأت بالعاطف وأتى بها مؤكّدة محصورة ، والمقصود انّ الغفلة محصورة على الغافل عن دلالة الأشياء على ما هي موضوعة بالوضع الالهىّ له لا الغافل عن الجهات الدّنيويّة ، ولا الغافل عن الشّعور بالشّعور حين مشاهدة شخص أو سماع لفظ مع عدم الالتفات الى الرّؤية والى مدلول المسموع فانّ هذا الغافل لا يستضرّ بغفلته وان استضرّ في جهة دنيويّته فليس ضررا يعتنى به بخلاف الغافل عن جهة دلالة الأشياء وجذبها الى الآخرة فانّه يتضرّر بها البتّة ضررا خارجا عن التّهديد (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الجملة حال من فاعل الأفعال الثّلاثة على سبيل التّنازع وقوله (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) معترضة جوابا لسؤال مقدّر أو إنشاء لذّمّهم بها ، والتّقييد بهذه الجملة للدّلالة على غاية مذمّتهم لانّ المعقول والمبصر والمسموع إذا لم يكن له جهة سوى المظهريّة والاسميّة لله ومع ذلك لم ير الرّائى منه ما هو مرئىّ فيه ومدلول له ، كان ذلك منه غاية العمى والغفلة بخلاف ما إذا كان ذا جهتين ، والمعنى لهم قلوب لا يفقهون من معقولاتهم ومدركاتهم المعقولات الاخر الاخرويّة الالهيّة ولا ينتقلون منها الى ما يتراءى فيها من الصّفات الالهيّة والحال انّ أكثرها وهي الأسماء الحسنى لا جهة لها سوى اراءة الله ، لانّها مختصّة بالله ليس فيها دلالة على غيره وهم يدركون بها غيره لغاية عماهم ، ثمّ اعلم ، انّه لا اختصاص لاسم الاسم بالأسماء اللّفظيّة ولا بالمفاهيم الذّهنيّة ولا بما دلّ بالمواضعة ، بل يطلق حقيقة على الموجودات العينيّة لانّ حقيقة الاسم ما يحكى عن الغير لفظيّا كان أو ذهنيّا أو عينيّا ، كما ورد عنهم : نحن الأسماء الحسنى ، وانا الاسم الأعظم ولا اسم لله أكبر منّى ، وحسن الاسم امّا بحسن دلالته أو بحسن مدلوله أو بحسنه في نفسه مع قطع النّظر عن حيثيّة اسميّته ودلالته ، كالمرآة فانّ حسنها قد يكون بحسن اراءتها أو بحسن المرئىّ منها أو بحسنها في نفسها فالموجودات العينيّة والمعقولات الذّهنيّة والأسماء اللّفظيّة كلّها أسماء لله كما قرّر في محلّه :
وفي كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على انّه واحد |
وكلّها حسنة باعتبار دلالتها على الله لكنّها متفاوتة في الدّلالة وفي أنفسها وبهذا الاعتبار توصف بالأحسنيّة فالعقول الّتى هي بشراشرها تحكى عن الله وصفاته وأسمائه وهم الملائكة المقرّبون أحسن من النّفوس باعتبار دلالتها وباعتبارها في أنفسها ، والنّفوس الّتى يعبّر عنها بالمدبّرات امرا لتجرّدها عن المادّة والتّقدّر أحسن من الأشباح النّوريّة ، وهي لتجرّدها عن المادّة أحسن المادّيّات وهي أحسن من أهل الملكوت السّفلىّ الّتى هي دار الشّياطين والجنّة وفيها جحيم الأشقياء ، لكنّ المادّيّات والسّفليّات لاحتجابها بحجب المادّة ولوازمها وانظلامها بظلمة المادّة كأنّها لا دلالة لها على الله ولا حسن لها في أنفسها فلو سمّيتها بالأسماء الغير الحسنة أو الغير الحسنى ، لكان حقّا هذا بحسب سلسلة النّزول وامّا بحسب سلسلة الصّعود فخاتم الأنبياء (ص) اسم أحسن بالجهات الثّلاثة لا أحسن منه ثمّ خاتم الأولياء (ع) ثمّ سائر الأنبياء (ع) والأولياء (ع) على تفاوت مراتبهم ، فالمعنى ولله خاصّة الأسماء الّتى لا دلالة لها على غيره وهي أحسن من غيرها في أنفسها (فَادْعُوهُ بِها) ولمّا كان الأمر بدعائه تعالى مفروغا عنه مسلّما عندهم بحيث ما بقي لأحد شكّ في انّه مأمور بدعائه تعالى كان الغرض من تفريعه على تخصيص الأسماء الحسنى به تخصيصه بها اعتبارا لمفهوم القيد في مثل هذا المقام فكأنّه قال فادعو الله بالأسماء الحسنى لا بغيرها من الأسماء الّتى لا حسن فيها أو ليست بأحسن ، ولمّا كان الأسماء اللّفظيّة الالهيّة كلّها متساوية في أنفسها وفي دلالتها ، لانّ الدّلالة وضعيّة في كلّها والمدلول في الكلّ هو الله وأسماؤه وصفاته فلا يتصوّر فيها التّفاوت بالحسن وعدمه والاحسنيّة وعدمها فليست هي مقصودة منها ، والأسماء النّزوليّة