الهواء الحارّ الى قلبه فقوله (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) في موضع حال مقيّدة للكلب باخسّ أحواله ، روى عن الرّضا (ع) انّه اعطى بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجيب له ، فمال الى فرعون فلمّا مرّ فرعون في طلب موسى (ع) وأصحابه قال لبلعم : ادع الله على موسى (ع) وأصحابه ليحبسه علينا ، فركب حمارته ليمرّ في طلب موسى (ع) فامتنعت عليه حمارته فأقبل يضربها فأنطقها الله عزوجل فقالت : ويلك على ماذا تضربني؟! أتريدان أجيء معك لتدعو على نبىّ لله وقوم مؤمنين! ـ فلم يزل يضربها حتّى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه ، ونسب الى الرّواية انّ قومه سألوه ان يدعو على موسى (ع) ومن معه ، فقال : كيف ادعو على من معه الملائكة فألحوّا عليه حتّى دعا عليهم فبقوا في التّيه، ونقل انّه لمّا دعا على موسى (ع) خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كالكلب (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) اشارة الى التّعميم فكلّ مكّذب بآيات الله هذا مثله (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) على اليهود وغيرهم كما عرفت انّ المقصود تنبيه أمّة محمّد (ص) (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) في مآل أفعالهم وأحوالهم (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) التّكرار للمبالغة في ذمّهم وللتّطويل المناسب لمقام التّهديد (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) كأنّه توهّم متوهّم ممّا رأى من تشديد الله عليهم أنّهم ظلموا الآيات بالتّكذيب فقال : ما ظلموا (الآيات) ولكن (أَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) وأسقط المعطوف عليه لاستفادته من الحصر المستفاد من تقديم المفعول (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) استدراك لما توهّم من نسبة الإخلاد الى الأرض واتّباع الهوى والتّكذيب إليهم من انّ الأفعال منسوبة إليهم ، نسبة الفعل الى الفاعل واختلاف القرينتين بالافراد والجمع وتكرار المبتدأ وعدمه لكون المقام مقام التّهديد ومناسب مقام التّهديد الاكتفاء في جانب الوعد والرّحمة بأقلّ ما يكتفى به ، وتعجيل الانتقال الى المهدّدين والتّغليظ والتّطويل فيهم وللاشارة الى اتّحاد المهتدين واختلاف الضّالّين (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ولرفع توهّم الجبر وتوهّم ان لا مدخل للعبد في ذلك كما يدلّ عليه ذرأنا قال : فعلنا ليس اجبارا منّا بل (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) فبعدم استعدادهم وعدم استحقاقهم أدخلناهم جهنّم ، ولمّا كان التّفقّه عبارة عن علم ديني يتوسّل به الى علم آخر كما مضى ولم يكن علومهم وان كانت كثيرة دقيقة باعثة لترقّيهم في طريق القلب والآخرة نفى الفقه عن قلوبهم (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) من الأشياء ما يدلّ على الله ومبدئيّته ومعاديّته في عين حدّتها (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) من الأشياء والأصوات ما ينفعهم في آخرتهم في عين حدّتها في سماع الأصوات ولا يسمعون أصوات الأشياء الّتى تنادي كلّا ليلا ونهارا ان : لا تقم في دار طبعك ، ولا تنم في مسبعك ، واستعدّ من يومك لغدك (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) في عدم التّفقّه واشتداد العلم وفي عدم ابصار ما ينبغي ان يبصر من المبصرات ، وعدم سماع ما ينبغي ان يسمع من المسموعات ، بل مداركهم موقوفة عي درك أسباب التّعيّش في الآجل وان كانت في أعلى مرتبة الدّرك كأكثر الفلاسفة المنكرين للرّسالة المعتقدين انّ الرّسول هو العقل واحكامه هي الشّريعة ، كما انّ مدارك الانعام موقوفة على درك النّافع والضّارّ في الآجل (بَلْ هُمْ أَضَلُ) لانّ ضلال الانعام بالنّسبة الى الإنسان ضلال والّا فهو بالنّسبة الى مقامها هداية فهي باقية على هدايتها التّكوينيّة ، وأيضا ضلالها لا يتخطّى بها عن مقامها الى ما يوذيها ويؤلمها (أُولئِكَ