الّتى مقامها فوق مقام البشر ، لمّا لم يمكن التّوسّل بها للبشر لارتفاعها عن مقام البشر وعدم سنخيّة البشر لها فهي أيضا ليست مقصودة لعدم جواز الأمر من الله بالتّوسّل بغير الممكن ، فبقي ان يكون المقصود الأمر بدعائه بتوسّط الأسماء البشريّة الصّعوديّة فكأنّه قال تعالى بعد اعتبار مفهوم القيد : فادعوه بأسمائه الحسنى من افراد البشر الّتى هي ببشريّتها سنخكم ويمكن لكم التّوسّل بها من الأنبياء (ع) والأولياء (ع) وخاتم الكلّ والحاضر في زمانكم محمّد (ص) وعلىّ (ع) ، فادعوه بهما كما فسّر قوله تعالى : (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) بهما ؛ ولا تدعوه بأسمائه الغير الحسنى من الأشقياء وائمّة الجور وخاتم الكلّ والحاضر في زمانكم مقابلوا محمّد (ص) وعلىّ (ع) وعلى هذا فقوله تعالى (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) كان بيانا لمفهوم القيد وتأكيدا له ان كان معناه واتركوا دعاء الله بالّذين يلحدون في أسمائه الحسنى ان جعل الاضافة للعهد أو في مطلق أسمائه ان جعلت للاستغراق ، وان كان معناه اعرضوا عن الّذين يلحدون في أسمائه ولا تنظروا إليهم والى الحادهم كان تأسيسا يعنى لا توسّلوا بهم حسب مفهوم القيد ولا تنظروا إليهم والى الحادهم بل اجعلوهم كالمعدومات ، والمراد بالإلحاد في الأسماء العدول عنها من حيث انّها أسماء والعدول بها عن اسميّتها لله وقوله (سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يناسب المعنى الثّانى لقوله وذروا الّذين يلحدون (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) قد عرفت ممّا مضى انّ الحقّ المضاف هو الولاية والنّبوّة والرّسالة صورتها (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) من العدالة أو يسوّون الأشياء الغير المتعادلة من قوى أنفسهم في مملكة وجودهم أو من غيرها في خارج وجودهم وقد فسّر هذه الآية في اخبار عديدة بآل محمّد (ص) وأتباعهم وهو قرينة قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) وكان المناسب للمعادلة ان يقول وخلقنا للجنّة أمّة يهدون ، ولكن لمّا كان المقام مقام الوعيد دون الوعد ناسب تطويل الوعيد والإجمال في الوعد ولذا بسط في الوعيد بذكر الأوصاف العديدة لأصحاب جهنّم ، واكتفى بهذا القدر لأصحاب الجنّة وانتقل الى التّهديد والوعيد وهو معطوف على جملة ذرأنا باعتبار مناسبة المعنى كأنّه قال : وممّن خلقنا أمّة يستحقّون الجحيم ، وهذه المقابلة تدلّ على انّ قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) من متعلّقات الجمل السّابقة (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة والمراد به هنا الاستنزال ، عن الصّادق (ع) إذا أراد الله بعبد خيرا فأذنب ذنبا اتبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار ، وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا فاتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عزوجل : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) بالنّعم عند المعاصي (وَأُمْلِي لَهُمْ) من املى له أمهله ، أو من املاه الله متّعه فيكون دخول اللّام للتّقوية وللاشعار باختصاص الاملاء بهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) يعنى ما ظاهره الإحسان وباطنه الاستدراج والاساءة من الاناسىّ ضعيف ومنّى متين بحيث لا يعلم به أصلا (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) أأنكروا محمّدا (ص) ولم يتفكّروا (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) كما يقولون انّه لمجنون (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر أو مظهر ان إنذاره من الله (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) عطف على قوله أو لم يتفكّروا أو على مقدّر اى أوقفوا عن النّظر ولم ينظروا (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكوت كلّ شيء باطنه لانّ الملكوت مبالغة في المالكيّة وباطن كلّ شيء مالك لظاهره كباطن الإنسان المسخّر لظاهره بحيث لا يتمكّن من عدم طاعته ، وباطن السّماوات المسخّر لاجرامها في حركاتها