أمّهاتكم ؛ والسّعيد سعيد في بطن أمّه ، والتّعبير بأخذنا في النّزول وأخرجنا في الصّعود لا يخفى وجهه (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) وبعد ما علمت انّ الأشياء كلّها خصوصا ما فوق عالم الطّبع بالنّسبة الى الله تعالى كلّها علم وشعور وسمع وبصر ونطق لا يبقى لك التّأمّل في انّ الاشهاد والأسماع والإقرار كلّها على حقائقها اللّغويّة بل الاحقّ بحقائقها هو ما فيما فوق عالم الطّبع ولا حاجة لك الى تأويلات المفسّرين وتكلّفاتهم ومجازاتهم (أَنْ تَقُولُوا) كراهة ان تقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) يعنى أشهدناكم وحملناكم على الإقرار هناك لكي تستقلّوا بالتّكليف وتتنبّهوا بالرّبوبيّة فلا تكونوا غافلين هاهنا ولا تابعين ولا معلّقين سوء فعالكم على غيركم (وَكَذلِكَ) التّفصيل بالقول وبالفعل (نُفَصِّلُ الْآياتِ) التّكوينيّة في مراتب التّكوين وفي كتاب التّدوين (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عطف على (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) وسوّغ عطف الإنشاء على الخبر تضمّنها للتّعليل كأنّه قال : لذلك ، تفصّل الآيات لرجوعهم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) النّبويّة على لسان نبينّا (ص) ، أو آياتنا الولويّة على لسان خليفته ، أو آياتنا الآفاقيّة الغير النّبويّة والغير الولويّة ، أو آياتنا الانفسيّة الّتى شاهدها وادراك حيثيّة كونها آيات من الآيات المنذرة والمبشّرة الجارية على السنة خلفائنا والواردة عليه ممّا ليس بقدرته واختياره والواقعة في المنامات والواقعات والمنبّهة من اختلاف الحالات ، والغرض من التّلاوة عليهم تذكيرهم بسوء عاقبة المنسلخ حتّى يتذكّروا ويكونوا على حذر فلا ينسلخوا عن الآيات النّبويّة والأحكام الشّرعيّة ولا يعرضوا عن خليفته محمّد (ص) والمنصوب بعده لهدايتهم ، ونزول الآية في بلعم بن باعوار كما في أخبارنا أو أحد علماء بنى إسرائيل أو أميّة بن ابى الصّلت رجا لكثرة علمه واطّلاعه على الكتب السّماويّة ان يكون هو النّبىّ الموعود فلمّا بعث محمّد (ص) حسده وكفر به كما قيل (فَانْسَلَخَ مِنْها) بترك العمل بمقتضاها والغفلة عنها (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) جعله تابعا لنفسه بعد انسلاخه من الآيات الّتى هي الشّهب المتبعة للشّيطان والتّفسير بلحقه وأدركه أيضا مناسب لهذا المقام ، مثله في قوله تعالى فاتبعه شهاب ثاقب بمعنى لحقه وأدركه وقد جاء في اللّغة بمعنى جعله تابعا (فَكانَ) اى صار والتّعبير بكان للاشارة الى تمكّنه في الغواية كما انّ لفظة (مِنَ الْغاوِينَ) أيضا كذلك (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) بالآيات ولمّا توهّم من لفظة انسلخ منها ولفظة فأتبعه الشّيطان انّه لا دخل لله ومشيّته في الانسلاخ واتّباع الشّيطان استدرك ذلك الوهم وقال : ان مشيّتنا هي السّبب الفاعلىّ وما من قبله هو السّبب القابلىّ والسّبب الفاعلىّ وان كان تامّا لكنّه لم يقع جزافا بل بحسب استعداد القابل وما استعدّ المنسلخ للارتفاع (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) ارض الطّبع وبعدها الى ارض الطّين لقضاء مشتهيات عنها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) من قبيل عطف السّبب على المسبّب فشئنا غوايته وضلاله فأضللناه (فَمَثَلُهُ) بعد ما اخلد الى الأرض في شدّة تعبه وكثرة حركته لتحصيل مأموله من الأرض لتسكين حرارة حرصه وعدم الانتفاع في تسكين الحرص (كَمَثَلِ الْكَلْبِ) الّذى وقع في الحرّ الشّديد فلهث وأخرج لسانه وفتح فاه لكثرة التنفّس لتسكين حرارة القلب ولم ينفعه ذلك بل يضاعف حرارته لكثرة وصول