لا محالة فعلى هذا قوله تعالى (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ) (الى آخرها) جملة حاليّة والّذين يمسّكون بالكتاب عطف عليه والاحتمالات الاخر في تركيبها بعيدة عن سوق الكلام (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) رفعناه بالقلع (فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) سقف يظلّلهم (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) استعمال الظّنّ مع انّهم كانوا متيقّنين لوقوعه لكونه معلّقا وليس من عادة الأثقال ان تقف معلّقة لانّهم كانوا أصحاب النّفس وليس من صفة النّفس الّا الظّنّ وان كان متيقنة أو لانّهم لمّا علموا انّه كان باعجاز احتملوا ان يقف باعجاز أيضا ولا يقع عليهم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) على تقدير القول يعنى قائلين خذوا التّوراة وأحكامها بقوّة وعزم من قلوبكم وامتثلوا أحكامها بقوّة من أبدانكم (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من العبر والأحكام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) موبقات النّفس ، عن الصّادق (ع) لمّا انزل الله التّوراة على بنى إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى (ع) ان لم تقبلوا وقع عليكم الجبل فقبلوه وطأطأوا رؤسهم وقد مضى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وقرئ ذرّيّاتهم ، اعلم ، انّ آدم قد يقال على آدم ابى البشر وقد يقال على معنى موجود في كلّ بشر وقد يقال على معنى اعمّ منهما وبهذا المعنى يقال : آدم الملكىّ ، وآدم الملكوتىّ وآدم الجبروتىّ ، وآدم اللّاهوتيّ ، وبهذا المعنى ورد في بعض خطب مولانا أمير المؤمنين (ع): انا آدم الاوّل ، وذلك لانّ كلّ ما في عالم الطّبع وعالم الكثرة فله صورة ومثال بنحو الكثرة والتّفصيل في عالم المثال بحيث لو رآه راء لقال : هو هو بعينه من غير فرق وتميز وله حقيقة في عالم العقول العرضيّة وأرباب الأنواع وله حقائق في عوالم العقول الطّوليّة بنحو أتمّ وابسط ممّا في هذا العالم ويعبّر عمّا في تلك العوالم بالّذّر ، وكلّ ما وجد في ما فوق عالم الطّبع فكلّه علم وشعور وسمع وبصر ونطق ، بخلاف ما في هذا العالم فانّ شعوره وسمعه وبصره ونطقه بآلات متمايزة ليس في موضع السّمع بصر ولا في موضع البصر سمع ونطق. ثمّ اعلم ، انّ المراتب النّازلة كلّ بالنّسبة الى ما فوقه رقائق وذرار وظهور له بنحو الكثرة والتّفصيل لكنّه في عين التّفصيل أخفى منه وأضعف والعالي في عين اجماله أتمّ واشدّ وأظهر واحقّ بالاسم المطلق عليه ، فآدم اللّاهوتى الّذى يعبّر بالحقيقة المحمّديّة (ص) والحقّ المخلوق به والاضافة الاشراقيّة اشدّ ظهورا واحقّ باسم آدم من آدم الجبروتىّ وهكذا الى آدم النّاسوتىّ وبنو آدم في كلّ مقام هم المنتسبون اليه بلا واسطة مثلا بنو آدم اللّاهوتىّ ما في عالم العقول الطّوليّة من التعيّنات الآدميّة ، وبنو آدم الجبروتىّ ما في العقول العرضيّة وبنو آدم في تلك المرتبة الصّور المثاليّة ، وبنو آدم المثالىّ الملكوتىّ الصّور الملكيّة البشريّة ، وبنو آدم البشرىّ المنسوبون اليه بلا واسطة أو بواسطة ، وبنو آدم في العالم الصّغير المدارك والقوى البشريّة وذرّيّة بنى آدم في كلّ مرتبة ما يليق بتلك المرتبة كما لا يخفى على البصير ، والتّعبير بظهر بنى آدم دون ظهر آدم كما في الاخبار ، لانّ آدم اللّاهوتىّ لبساطته ووحدته له وحدة حقّة ظلّيّة لا يتصوّر فيه كثرة حتّى يتصوّر له ذرار ولا جهة وجهة حتّى يتصوّر له ظهر وبطن وأيضا الاقتصار على ظهر آدم يوهم الاختصاص بآدم ابى البشر ولمّا كان سلسلة النّزول بمنطوق صحيحة ما ورد : انّ الله خلق العقل ثمّ قال له : أقبل اى الى الدّنيا والدّار السّفلى ، فأقبل ، متوجّها عن الحقّ الاوّل تعالى الى العالم الأسفل كان المنظور اليه والمترائى فيه في كلّ مرتبة هو ظهرها ، وأيضا لمّا كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى دانيها ظهوره بنحو أتمّ واشدّ قال : من ظهور بنى آدم بخلاف سلسلة الصّعود فانّها بحكم قوله ثمّ قال له : أدبر اى عن الدّنيا فأدبر كان المنظور فيه منها هو البطن منها ، وأيضا كلّ دان بالنّسبة الى العالي بطن ومحلّ اختفاء ولذا أطلق البطن في سلسلة الصّعود أخرجناكم من بطون