(مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) جملة مستأنفة أو وصفيّة أو حاليّة ومنهم مبتدء سواء كان من اسما أو قائما مقام الموصوف المبتدء أو خبر مقدّم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) منهم مبتدء كما سبق أو منهم خبر مقدّم والمبتدء محذوف اى منهم ناس دون ذلك اى منحطّون عن الصّلاح سواء لم يكونوا كافرين أو كانوا كافرين ، ويكون المراد بقوله فخلف من بعدهم خلف انّهم صاروا بعد جميعا كافرين أو المراد بمن دون ذلك من لم يبلغ درجة الكفر (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ) السّعة والدّعة والأمن والصّحة (وَالسَّيِّئاتِ) ضدّ ذلك المذكور (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) من غيّهم كما هو ديدننا في هداية من أردنا هدايته (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ذوو شرّ على ما قيل انّه بالتّسكين لذوي الشّرور وبالتّحريك لذوي الخيرات ، وهو تعريض بامّة محمّد (ص) حيث كانوا في عهده امّا صالحين وامّا دون ذلك وبعده صاروا آخذين بعرض الدّنيا مغترّين بغرور النّفس مع انّه (ص) أخذ عليهم الميثاق بان لا يستبدّوا بآرائهم ولا يقولوا على الله الّا الحقّ ولا يفارقوا الكتاب وعترته (ص) (وَرِثُوا الْكِتابَ) اى كتاب النّبوّة وأحكامها أو التّورية على تنزيله وظاهره (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) من الدنوّ أو الدّنائة يعنى العرض الّذى هو عبارة عن متاع الدّنيا فانّه عارض وزائل لا محالة والجملة امّا صفة بعد صفة والاختلاف مع الاولى للاشارة الى استمرارهم فيه ، أو حال من خلف لاختصاصه بالصّفة ، أو من فاعل ورثوا ، أو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما فعلوا بوراثة الكتاب؟ ـ فقال : يأخذون وعلى اىّ تقدير فالمقصود ذمّهم على انّهم جعلوا الكتاب الّذى هو سبب لاخذ النّعيم الأبديّ والفوز بخير دار البقاء وسيلة لعرض الدّنيا الزّائل لحمقهم ، فانّ اسناد الأخذ الى الخلف المقيّد بوراثة الكتاب يشعر باعتبار الحيثيّة ؛ فالويل ثمّ الويل لمن انتحل الأحكام النّبويّة وجعلها وسيلة الى الاعراض الدّنيويّة كأكثر العامّة الّذين ادّعوا العلم والفقاهة وانتحلوا الشّرع والوراثة (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) فانّ النّفس في توسّلها الى مشتهياتها تستدعى وجها لاطمينانها فيها فتارة تقول : لا ثواب ولا عقاب ولا آخرة ان هي الّا حيوتنا الدّنيا ، وتارة تقول : انّ الله كريم ، وتارة تقول : ليس العذاب الّا ايّاما معدودة ، وتارة تقول : من انتسب الى نبىّ (ع) لا يعذّب ولو جاء بذنوب أهل الدّنيا ، وتارة تقول : محبّ علىّ (ع) لا يدخل النّار وحبّ علىّ (ع) حسنة لا تضر معها سيّئة ولا تدري انّها كلّها غرور وما توهّمته انتسابا الى نبىّ أو محبّة لعلىّ (ع) انتساب الى الشّيطان ومحبّة له ؛ أعاذنا الله من شبهات أنفسنا (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) يعنى ليس قولهم سيغفر لنا الّا عن غرور النّفس فانّ راجى المغفرة يرعوى عمّا ينافيها (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) يعنى انّ وراثة الكتاب تستدعى الخوف من الله لا الاغترار به فانّ ميثاق الكتاب اى العهود الّتى تؤخذ عليهم بالبيعة العامّة النّبويّة ان لا يغترّوا بالدّنيا ولا يقولوا على الله الّا الحقّ (وَدَرَسُوا) تعلّموا وتعاهدوا (ما فِيهِ) من الوعد والوعيد (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) يعنى انّ الافتتان باعراض الدّنيا يتصوّر لغفلتهم عن مفاسدها وسكوتنا عن بيانها وقد بيّناها ونبّهناهم عليها ، أو لرجحانها على متاع الآخرة وليس كذلك ، أو للحمق وعدم العقل واليه أشار بقوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أو لانّ التّمسّك بأحكام الكتاب والاتّعاظ بمواعظها يصير ضائعا عندنا (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) اى كتاب النّبوّة بالبيعة الاسلاميّة (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) بالبيعة الولويّة (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشارة الى انّ التّمسّك بالكتاب والولاية مصلح