يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم الّذى هو سبب من جهة القابل لا الفاعل (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) من عطف التّفصيل على الإجمال (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) مطرودين عن كلّ خير ، عن علىّ بن الحسين (ع) انّه قال : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله تعالى وأنبياؤه (ع) عن اصطياد السّمك في يوم السّبت فتوصّلوا الى حيلة ليحلّوا بها لا نفسهم ما حرّم الله ، فخدّوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدّى الى حياض يتهيّأ للحيتان الدّخول فيها من تلك الطّرق ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالخروج ، فجاءت الحيتان يوم السّبت جارية على أمان لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران ، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرّجوع منها الى اللّجج لتأمن من صائدها ، فرامت الرّجوع فلم تقدر وبقيت ليلها في مكان يتهيّأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ، وكانوا يأخذون يوم الأحد ويقولون : ما اصطدنا في السّبت انّما اصطدنا في الأحد ، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم الّتى عملوها يوم السّبت ، حتّى كثر من ذلك مالهم وثراهم وتلقّموا بالنّساء وغيرهنّ لاتّساع أيديهم به ، وكانوا في المدينة نيّفا وثمانين ألفا فعل هذا منهم سبعون ألفا وأنكر عليهم الباقون كما قصّ الله ، (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) الآية وذلك انّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ومن عذاب الله خوّفوهم ومن انتقامه وشدائد بأسه حذّروهم فأجابوهم من وعظهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ، أجاب القائلون هذا (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) هذا القول منّا لهم معذرة الى ربّكم إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم قالوا (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، ونعظهم أيضا لعلّهم ينجع فيهم المواعظ فيتّقوا هذه الموبقة ويحذروا عقوبتها ، قال الله تعالى (فَلَمَّا عَتَوْا) حادوا واعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ، مبعدين من الخير مبغضين ، فلمّا نظر العشرة الآلاف والنّيف انّ السّبعين ألفا لا يقبلون لواعظهم ولا يخافون بتخويفهم ايّاهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم الى قرية اخرى وانتقلوا الى قرية من قراهم ، وقالوا نكره ان ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم ، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلّهم قردة وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد ، وتسامع بذلك أهل القرى فقصد وهم وسموا حيطان البلد فاطّلعوا عليهم فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض ، يعرف هؤلاء النّاظرون معارفهم وقراباتهم وخلطائهم يقول المطّلع لبعضهم : أنت فلان وأنت فلانة فتدمع عينه ويومى برأسه أو بفمه بلا أو نعم ؛ فما زالوا كذلك ثلاثة ايّام ثمّ بعث الله تعالى مطرا وريحا فحرفهم الى البحر وما بقي مسخ بعد ثلاثة ايّام ، وانّما الّذين ترون من هذه المصوّرات بصورها فانّما هي أشباهها لا هي بأعيانها ولا من نسلها (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) عطف على إذ يعدون أو على إذ تأتيهم أو على إذ قالت أمّة أو عطف على اسئلهم بتقدير اذكر أو ذكّر وتأذن واذّن من باب التّفعيل واذنه من الثّلاثىّ المجرّد واذن به بمعنى اعلم وكثر استعمال اذن مخفّف العين بمعنى علم وأباح ورخّص وجاء تأذّن بمعنى اقسم (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) على العادين يوم السّبت أو على اليهود مطلقا بفعل العادين (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ) يكلّفهم (سُوءَ الْعَذابِ) بالقتل والاذلال بالجزية والاجلاء كما فعل بخت نصّر ومن بعده ومحمّد (ص) (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) فلا ينبغي الاغترار بحلمه (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن ارعوى عن غيّه وتاب اليه (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) متفرّقين بحيث لا يخلو مملكة منهم والأغلب انّهم أذلّاء عند غير مذهبهم